عندما كتبنا قبل أسابيع في مقال (زيارة شفافية للسعودية)، لم نكن نتوقع هذا التفاعل والردود من الناس، خصوصا فيما يخص الفقرة الخامسة والسادسة والسابعة، وإلى اليوم أجد الناس ترسل عن الموضوع.

والموضوع باختصار هو أن الناس تشتكي من ارتفاع هائل لأسعار العقار في الرياض، وكيف أن هذا سيؤثر في الاقتصاد السعودي ككل.

فالعقار «السكن» يستنزف نسبة كبيرة من دخل العائلة السعودية، مما يقلل من صرف الفرد على الأنشطة الاقتصادية الأخرى، مثل المشتريات والسياحة والترفيه، وهذه الأنشطة تعتبر عمودًا أساسيًا في حركة الاقتصاد أو الحركة النشطة الفعالة للمال، وهي التي تخلق الوظائف والنمو الاقتصادي والرفاه.

الشيء الآخر، أن العقار -كما هو معروف- اقتصاد حجر، جامد جمود الحجر، لا يضخ الطاقة في الدورة الاقتصادية، وحتى الاستفادة منه محدودة نسبيا، فلا تخلق كثيرا من الوظائف للسعوديين، وحتى التجارة المتعلقة بالبناء والعقار، ليست ذات أثر تدويري متكرر، والأسوأ من هذا أن بعض التجار بدأ يترك قطاع الصناعة والتطوير والتجارة ويتجه إلى تجارة الأراضي، وهذا يضعف الصناعة والتجارة والسياحة والترفيه، والتي عادة هي ما تخلق العدد الأكبر من الوظائف.

ولا يريد أن يدوخ نفسه باتباع الأنظمة الجديدة والتوظيف والمواصفات، بينما العقار أرباح هائلة دون مشقة أو توظيف أو مواصفات معقدة.

أولا أريد أن أعترف بشيء، وهو أن العديد من أصدقائي بل الأصدقاء المقربين تجار عقار، ولست ضد تجار العقار، لكن ما أقوله على الملأ في الصحافة بخصوص تجار العقار، أقوله في المجالس الخاصة معهم، وهم يقرؤون مقالاتي ويناقشونني فيها ويعرفون ذلك، والحق يقال، لم أر مثل رحابة صدورهم وترحابهم في تقبل نقدنا لهم، بل في كثير من الأحيان يكون النقد في مناسباتهم، وفي بيوتهم العامرة ويأخذون النقاش بكل أريحية، ولا أعلم هل هو تقدير للصداقة، أو بسبب أن زياراتي قصيرة للبلد، فاعتبر ضيفًا يحق له ما لا يحق لغيره !.

والعديد منهم يقول لي إنه يشعر بمعاناة الناس ويعرف الحال، بس هذا السوق وهذا الوضع، لا يستطيع أن يصبح جمعية خيرية أو عكس التيار!، وحتى لو تجرأ وخفض السعر، بقية التجار يشترون منه، ويرفعون حتى تبقى الأسعار على حالها.

طبعا البعض يحاول يشتكي من موضوع الإيقافات والصكوك إلخ.. لكن هذا لا يفسر صراحة الارتفاع المهول بالعقار، للأسف بعض التجار يحط له صندقة ويجمع من حوله بعض القروبات ويتحكم بالأسعار ارتفاعًا !.

دعونا نتكلم اقتصاديا، تريليونات من الريالات الآن مجمدة بالعقار، لو تحركت فإن الاقتصاد السعودي سيقفز قفزات نوعية، بل إن النمو في الناتج الإجمالي الوطني (سيتدبل) بل يتضاعف !، الآن التريليونات مجمدة لا تتحرك، كأنها موضوعة بخزنة ومقفل عليها!، مع أن هذه المبالغ المهولة لو ضخت بالاقتصاد والسوق والتجارة، ممكن تخلق مئات آلاف الوظائف وتحرك عجلة الاقتصاد !.

الاقتصاد السعودي أكبر من أن تتحكم فيه قروبات بعض العقاريين، جالسين على سواليف شاي في الضحى بصندقة في البر!.

في المقال السابق، تمنيت إعطاء صلاحيات أكثر لوزارة الإسكان للتحكم بالسوق العقاري، والآن أتساءل، كيف ممكن للوزارات الأخرى المعنية أيضًا التدخل في الموضوع، مثل وزارات المالية والاقتصاد والتجارة حتى وزارة الاستثمار؟، ربما حان الوقت للجنة عليا من عدة وزارات لحل مشكلة العقار وتسييله. نحن في المملكة نحاول جذب الاستثمار الأجنبي وتحريك التجارة، بينما لو قمنا بتسييل بعض تريليونات العقار المجمدة، ووصلت السوق التجاري والاستثماري، لحققنا الكثير من أهداف الرؤية بفترة قصيرة، وفي الوقت نفسه جلبنا الرفاه للمواطن وقللنا الحمل عليه، وخلقنا عددا هائلا من الوظائف، وأنعشنا الحركة التجارية والسياحية والترفيهية.

قد يقول قائل أنت تهاجم أصدقاءك والعديد منهم تجار عقار، وهذا غير صحيح لعدة أسباب،

أولا: معظم الأصدقاء العقاريين (رجال سوق) فلهم القدرة على التأقلم والمرونة ويدبرون أعمارهم. ثانيا: لست أنادي بتدمير السوق العقاري، بل بترويضه وتسييل جزء منه.

ثالثا: مهما نزل السوق أو (سيل)، فإن تجار العقار سيبقون من الرابحين، ما شاء الله عليهم الله يزيدهم من فضله عندهم خير.

رابعًا: التدخل الحكومي سيجعل الأغلبية الصامتة من تجار العقار، تتحرك وتصبح أكثر منطقية في الطرح والبيع.

وترى، كثيرا من تجار العقار وطنيون يهمهم البلد ورفاه الناس(والشعب السعودي هم أهلهم وأقاربهم قبل كل شيء)، وسمعت من كبار العقاريين، أن الارتفاع المهول ليس " جايز" لهم كليا، حتى لو أتى بأرباح كبرى حالية، لكن على المدى الطويل لا يضمن الاستمرارية.