لا شك أن واشنطن لا يعنيها ما يمارسه الحوثيون سواء باليمنيين تحت سيطرتها وبأوامر من طهران، ولا بعدوانها على المنشآت الاقتصادية والمدنية والمدنيين بالسعودية منذ أعوام، وزادت وتيرتها مع إدارة بايدن، منذ إلغائه تصنيف ميليشيات الحوثيين ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، عربونًا للتفاوض مع النظام الإيراني للعودة للاتفاقية النووية التي انسحبت منها الولايات المتحدة الأمريكية، وفرضت عقوبات إضافية على إيران كانت مفروضة قبل الاتفاقية النووية، وقد كشف القراران اللذان اتخذهما بايدن، زيف مقولة أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات ولا تخضع لمزاج من يصل للمكتب البيضاوي، لو كانت كذلك لما كان بايدن اتخذهما بسرعة مذهلة فور أدائه القسم ودخوله المكتب البيضاوي، وعقب ذلك عين مندوبًا لإدارته في اليمن كي يغطي ما هو مكشوف لاستكمال خطط الرئيس الأسبق أوباما، حيث كان بايدن نائبه ووجد دعمًا غير مسبوق يقدمه رئيس أسبق لنائب له إبان رئاسته. وشجع القراران فور صدورهما إيران لممارسة نفس السياسة التي كانت تنتهجها إبان إدارة أوباما «الديمقراطية»، ولأن ترمب ينتمي للحزب «الجمهوري» هشم أماني أوباما، وانسحب من الاتفاقية النووية مع إيران باعتبارها مهينة لمكانة ودور الولايات المتحدة في العالم، بأن منحت إيران مزايا منها أن ضخت لها ما يقارب 100 مليار دولار، حملت إيران أن تستخدمها لضخ الأموال والسلاح المتطور لأذرعتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن والتي صنعتها على عينها لتحدث «الفوضى الخلاقة»، وتحقق حلم أوباما في «شرق أوسط جديد» تبنته إدارة أوباما.

ولقد شرعت إدارة بايدن بتقفي خطى إدارة أوباما بالتعامل من خلف الكواليس مع مليشيات الحوثي، وجل ردود أفعالها على أي هجومات تشنها وبأوامر إيرانية إرهابية على السعودية استهدفت أعيانًا مدنية واقتصادية، وأيضًا على الإمارات، وتتكثف مع صدور أي قرار عن مجلس الأمن بعد مناقشة التقرير الذي يعرضه المندوب الأممي باليمن شهريًا عن الوضع في اليمن، كما يتضاعف حراك واشنطن وعواصم دول الفيتو مع أي بوادر إنجازات يحققها جيش الشرعية المدعوم من التحالف العربي لوقف العدوان الحوثي واستعادة بعض الأراضي من سيطرة المليشيات التابعة لإيران.

وآخر التحركات عبر زيارات أمريكية واتصالات جاءت بعد الإنجازات الباهرة التي حققها جيش الشرعية إثر انضمام ألوية العمالقة، وعملية «اليمن السعيد» إذ تم دحر المليشيات عن شبوة بالكامل، وواصلت تحرير مواقع في بلدات وقرى جنوب مأرب، ومن المؤكد أن أي توجه في مجلس الأمن لن يختلف عن بياناته السابقة «والذي عقد جلسة بناء على طلب الإمارات بأمل صدور إدانة مليشيات الحوثي الإرهابية الإيرانية جراء اعتداءاتها الإرهابية بإطلاق مسيرات إيرانية متطورة على منشآت اقتصادية إماراتية ونفطية ومطار أبو ظبي، وبنفس اليوم أطلقت ثمان طائرات مسيرة تجاه المملكة، وأي قرار سيصدر طبق الأصل؛ محض بيان رئاسي من مجلس الأمن تفرضه واشنطن وتؤيده الدول الأربع الأخرى بالتزكية، لا طعم له ولا لون بل يشكل إمعانًا من دول الفيتو في دعم الحوثيين عبر صياغة بيان ممجوج، ندين ونطالب بضبط النفس وضرورة الوصول لحل سياسي.

ومن اللافت أن أصدر وزير الدفاع الأمريكي بيانًا جاء فيه: "أُشارِك وزارة الدفاع في إدانتها الشديدة للهجوم الإرهابي الذي وقع أمس في أبو ظبي وأسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين أبرياء واستهدف البنية التحتية المدنية. نبقى ملتزمين بأمن دولة الإمارات وقدرتها على الدفاع عن نفسها، ونتحد مع شركائنا الإماراتيين في الدفاع ضد كل ما يهدد أراضيهم"- لم يذكر البيان هوية المعتدي!، وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيم سوليفان في بيان نشره البيت الأبيض الثلاثاء 17 يناير الجاري، عبر موقعه الإلكتروني: «تدين الولايات المتحدة بشدة الهجوم الإرهابي الذي وقع اليوم في أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين أبرياء». وعلى هدى المواقف الأمريكية، أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا جاء فيه على لسان المتحدث باسمه: «الهجمات ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية غير مقبولة، والهجوم الأحدث يزيد خطر مزيد من التصعيد للنزاع في اليمن، ويقوض الجهود الجارية لإنهاء الحرب»، وتابع البيان: «يناشد الاتحاد الأوروبي كل الأطراف بالتواصل مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة لوضع نهاية للقتال والتوصل إلى اتفاق سياسي شامل يضم كل الأطياف السياسية». ولذلك يلتقط قائد مليشيا الحوثيين الإرهابية الإيرانية وولي أمره «خامنئي» بأن تلك التصريحات هلامية وأن مقولة «نمارس الضغط» تعني واصلوا عدوانكم على مأرب ودول الجوار.

وتأتي ممالأة لإيران بالحد الأدنى الذي يحقق لبايدن بصيص أمل بأن يظهر أنه مصمم على العودة للاتفاقية النووية في فيينا، بالرغم عما يدور في دوائر صناعة القرار في أمريكا أن قرار الرئيس السابق ترمب كان صائبًا، وأن الاتفاقية مع إيران كانت بمجملها في مصلحة إيران، لذلك بدأ بايدن يوجه فريق التفاوض غير المباشر مع إيران بعدم رفع جميع العقوبات التي فرضها الرئيس السابق ترمب وضرورة الإبقاء على بعضها، كي يظهر أن عودة واشنطن للاتفاقية مع عقوبات أشد ورقابة شديدة على منشآت إيران النووية ستحقق إنجازًا، فيما التمطيط من طهران شراء للوقت كي تضع العالم أجمع أمام إعلانها يومًا ما عن إنتاجها "قنبلة نووية"، ويبدو أن واشنطن باتت على استعداد لاستيعاب توصل طهران لصناعة سلاح نووي تحت مظلة رقابة تمنع عدم انتشاره. من جهتها، تعي دول التحالف وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة ـ أن التصريحات التي صدرت عن وزارة الدفاع الأمريكية ومستشار الأمن القومي الأمريكي إبان هجمات مليشيات الحوثي الإرهابية الإيرانية الأخيرة بطائرات إيرانية مسيرة على الإمارات، ومواصلة الاعتداءات على السعودية، الذي جاء فيه أن الولايات المتحدة ستواصل الضغط وبشدة على الحوثيين، وأن إضافتها الأخيرة على تصريحاتها السابقة "وبشدة" وتصريح ممثل وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الخليج في أبوظبي حيث قال فيه: "سنبلغ الحوثيين أننا سنواصل الضغط وبشدة عليهم". ويدلل هذا التصريح على أن إدارة بايدن لديها اتصالات مباشرة مع مليشيات الحوثي الإيرانية الإرهابية...

ولو كان «المجتمع الدولي - دول الفيتو» اتخذت نفس الإجراءات السريعة التي استخدمت إبان القرصنة البحرية إثر تردي الأوضاع في الصومال ومهاجمتهم لناقلات النفط والسفن التجارية في المياه الدولية جنوب باب المندب وبحر العرب، انتشرت سفن حربية وقوارب سريعة ومراقبة دقيقة بالأقمار الصناعية تمكنت من نجاح خططها ووأدت ظاهرة القرصنة بوقت وجيز. فيما بما تمارسه مليشيات الحوثي منذ ثمانية أعوام والسلاح الذي يشحن من موانئ إيرانية ويمر أمام قطعات بحرية أمريكية وأوروبية، إلى أن يصل لميناء الحديدة الذي أصرت دول الفيتو الخمس وخاصة أمريكا وبريطانيا على عدم تحرير الحديدة وموانئها، وأجهضت كل الاستعدادات، وحشد قوات الشرعية، وغطاء جوي من التحالف لتخليص الحديدة وموانئها الثلاثة على البحر الأحمر، ابتكروا لقاء في بروكسل خلُصَ إلى اتفاق بين الشرعية والمليشيات، وصدر قرار من مجلس الأمن بتطبيق الاتفاق؛ وبعده لم تلتزم المليشيات الحوثية بأوامر إيرانية وكثفت اعتداءاتها على قرى وبلدات في محافظة حجة، فيما التزمت الشرعية والتحالف بوقف الهجوم طبقًا لقرار مجلس الأمن الذي نسفت به دول الفيتو القرار 2216، وأيضًا رغم مهاجمة المليشيات الحوثية الإيرانية الإرهابية السفن التجارية، ومنشآت نفطية سعودية وبالخليج العربي، وإلى الآن تبحر عبر تلك الموانئ قوارب مفخخة أصابت العديد من ناقلات النفط والسفن التجارية، وهددت خطوط الملاحة الدولية، وعقد إثرها اجتماعات لمجلس الأمن ولم تحرك دول الفيتو ساكنًا، وظلت الأسلحة تصل لميناء الحديدة وآخرها طائرات مسيرة حديثة شحنتها إيران لاستمرار اعتداءات المليشيات وحصارها لمأرب وضربها لمخيمات النازحين والأعيان المدنية في المملكة.

لذلك لا أمل يرتجى من أميركا والدول الأربع الكبرى (دول الفيتو)، ولنفهم أنها تشكل بمواقفها الباهتة أن لها تلاقيا مع أهداف إيران عبر غض الطرف عن ميليشيات إرهابية تقودها إيران، والاكتفاء بنداءات ضبط النفس دون تحديد المعتدي والمتسبب عبر انقلابه على حكومة شرعية، زد على ذلك مهزلة بقاء المنظمات الأممية والدولية في العاصمة المختطفة صنعاء، وبقاء ميناء الحديدة تحت سيطرة ميليشيات، فيما تصريحات أميركا وبقية دول الفيتو والاتحاد الأوروبي أنها تعترف فقط بالحكومة الشرعية في الوقت الذي تعارض نقل تلك المنظمات إلى العاصمة المؤقتة عدن، جملة تلك المواقف العملية لصالح إيران، بينما تسوق تصريحات تعلم أن لا أحد يثق بها، وأنها محض تصريحات إعلامية لن يصدقها أحد، بينما مواقفها بالجملة لا يسرها ولا يروق لها أن يتمكن الجيش اليمني من استعادة دولته بظل دعم تحالف عربي بحت.

سيؤدي إلى تخليص اليمن والمنطقة والعالم مما تمارسه إيران، ولا تزال من تهديد الملاحة البحرية وتهريب الأسلحة وأدوات الدمار لعملائها في اليمن وثلاث دول عربية.