يُنْشَر هذا المقال وقدْ أَظَلَّنا شهر رجب مِنْ سنة 1443، وسيبقى على تمام السَّنة الهجريَّة خمسة أشهر، فإذا بلغْنا تمامها، نكون -حينئذٍ - قدْ فوَّتْنا على أنفسنا الاحتفال بما أُسَمِّيه «عصر المئويَّات» في المملكة العربيَّة السُّعُوديَّة.

ليس حَسَنًا أنْ تَمُرَّ هذه السَّنة دون أنْ نحتفل بالمئويَّة الأولى لصحيفة «أُمِّ القرى»، الصَّحيفة الرَّسميَّة للدَّولة، وأُمِّ الصُّحُف السُّعُوديَّة، وعساها كانتِ النَّواة الأولى لإدارات الدَّولة في مكَّة المكرَّمة. وسأقول -وهذا أمرٌ يخصُّ الأدب والثَّقافة-: وهي، كذلك، ذاكرة الأدب والثَّقافة في المملكة وحِرزهما الأمين.

لصحيفة أُمِّ القرى فضلٌ على المشتغلين بالأدب، قبل أنْ تنافسها في ذلك صحيفة «صوت الحجاز»، التي أُنشئتْ في خواتيم سنة 1350، لعنايتها بأدب هذه البلاد وثقافتها، يومَ لمْ يكنْ لأدباء الرَّعيل مِنْ منبرٍ سواها، ولذلك لا يُتَصَوَّر، اليومَ، أنْ نخطَّ كلامًا في شأنٍ مِنْ شؤون الأدب دون الرُّجوع إليها، ويصدق ذلك على شؤون أُخَرَ تخُصُّ السِّياسة، والإدارة، والصِّناعة، والتَّنمية... إلخ.

كان الأستاذ الجليل الدُّكتور منصور الحازميّ ذا نظرٍ ثاقب يومَ أخرجَ كتابه «معجم المصادر الصَّحفيَّة لدراسة الأدب والفكر في المملكة العربيَّة السُّعُوديَّة -صحيفة أُمِّ القرى»، سنة 1394، كان أستاذنا -حفظه الله- يَعرف أنَّه لا سبيل لفَهْم الثَّقافة العالِمة في المملكة مِنْ دون هذه الصَّحيفة الأُمّ، وكأنَّه أدرك -وهو النَّاقد البصير- أنَّ تكشيف موادِّ الأدب والثَّقافة في تلك الصَّحيفة، هو سبيلُنا إلى تَعَرُّف البدايات الأولى، والمقدِّمة التي تَهدينا إلى مخبَّآت ثقافتنا في صُعُودها وتَرقِّيها.

فإذا ما وقفنا على كشَّافه ذي الموادّ المشروحة عرفْنا هُمُوم النُّخبة المثقَّفة، تلك التي ندعوها «أدباء الرَّعيل»، قبل مئة سنة، فإذا ما قِسْنا الزَّمن الفاصل بين سنة 1343 وسنة 1443 أدركنا مقدار ما قطعناه في الأدب والثَّقافة والفكر -وتستطيع أنْ تستذكر ما قيل، مِنْ قَبْل عن الإدارة والصِّناعة والتَّنمية وما إليها- وعرفنا أنَّ صحيفة «أُمّ القُرى» ليستْ صحيفةً رسميَّةً، وحَسْبُ، بلْ هي «ديوان الحياة السُّعُوديَّة» وذاكرتها الأمينة.

سأقول، مرَّةً ثانيةً: إنَّ مُرُور قرنٍ مِنَ الزَّمان ليس شأنًا يسيرًا لا يُلتفَت إليه؛ ذلك أنَّنا سنستهلُّ بـ«مئويَّة أُمِّ القرى» -هذه الَّتي مرَّتْ بهدوء في الخامسَ عَشَرَ مِنْ شهر جُمادَى الأولى الماضي- عصر المئويَّات، وسأنتقي منها ما هو ذي وشيجةٍ بالأدب والثَّقافة -وقِسْ على ذلك سائر شؤوننا- وسأفترض أنَّنا سنحتفل، في العام الهجريّ المقبل 1444، بمرور مئة سنة على أوَّل كِتابٍ في الأدب الحديث في البلاد، وهو «أدب الحجاز» لمحمَّد سرور الصَّبَّان وزملائه - 1344 -1444- ثُمَّ في العام الذي يليه، بمئويَّة كِتاب «خواطر مصرَّحة» للأديب الكبير محمَّد حسن عوَّاد -1345 -1445، ... إلخ.

ألَمْ أقُلْ: إنَّ مئويَّة أُمِّ القُرى«هي مستهلُّ بها»عصر المئويَّات؟.