عصفت الاضطرابات الناجمة عن جائحة كورونا بالمشهد الاقتصادي العالمي، وغيرت الكثير من المفاهيم والسلوكيات وأساليب التفكير ضمن المجتمعات المحلية في دول العالم كافة، وبدأ يتشكل مشهد جديد لنماذج أعمال مبتكرة ومتنوعة ومرنة في فترة ما بعد الجائحة؛ لنشهد قصص نجاح مبهرة لشركات محلية وإقليمية وعالمية، تمكنت من تحويل المحن إلى منح، وتخطت ذلك لتنتهج استراتيجيات أعمال تضمن حصانتها ومتانتها ومرونتها حيال أية تقلبات واضطرابات مستقبلية.

واعتمدت تلك الشركات في نجاحاتها لتخطي الأزمات ومواجهة التحديات التي أحدثتها الجائحة على عنصري التنوع والابتكار.

وقد شهدنا العديد من الحكومات تستنفر لتجد لنفسها موطأ قدم على طريق وضع خطط واستراتيجيات قائمة على الابتكار والتنويع في مواجهة التحديات، فضلًا عن الشركات والمؤسسات التي خرج البعض منها بنجاحات كبيرة.

في المملكة العربية السعودية، سارعت العديد من الشركات إلى تبني عنصري الابتكار والتنويع من خلال رقمنة عملياتها وخدماتها وتنفيذ استراتيجيات تحول رقمي جريئة، مما مكنها من تحويل التحديات إلى فرص للنمو والازدهار.

وكانت التكنولوجيا المحور الأساس في استراتيجية تلك الشركات من أجل إعادة النظر في الطريقة التي تدير بها أعمالها، وتبني تقنيات وأدوات جديدة كتلك الخاصة بمنصات التعاون عبر الإنترنت، والاستفادة من مزايا الحوسبة السحابية والروبوتات والأتمتة، والتركيز على اقتناص فرص البنية التحتية القوية للجيل الخامس، التقنية الأهم اليوم لرفع أداء وفعالية الأعمال.

وأكدت حكومة المملكة على لسان مسؤوليها في العام الماضي على أولوية تمكين البنية التحتية الرقمية القوية للمملكة من خلال التعاون المنفتح بين القطاعين العام والخاص من مواجهة التحديات المدمرة لوباء كورونا المستجد، وساهم التقدم التكنولوجي للمملكة في رفع مستوى الشفافية والكفاءة الرقمية في ظل برنامج التحول الوطني.

وباعتبارها عضوا في منظمة التعاون الرقمي، انخرطت المملكة في زخم تسريع نمو الاقتصاد الرقمي في منطقتنا وجميع أنحاء العالم.

ومن المؤكد أن المملكة ستواصل التزامها بالارتقاء بالإمكانات الرقمية على المستويين الوطني والدولي. وانطلاقًا من رؤية 2030، تهدف المملكة إلى دفع عجلة التحول الرقمي من خلال تبني وتنفيذ أحدث أنظمة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

وكانت المملكة قد احتلت كذلك المرتبة الأولى في التميز الحكومي حسب الاتحاد الدولي للاتصالات، وقفزت العاصمة الرياض إلى ترتيب أذكى مدن العالم، مما يعكس الالتزام الكبير للمملكة بنهج الرقمنة.

والتقدم في هذا المجال مستمر بدعم من الخطط الوطنية الطموحة، لتواصل المملكة جهودها الكبيرة لضمان التحول الرقمي الشامل ونشر فوائده وميزاته على جميع القطاعات والصناعات.

لكن، ما يعكر صفو نهج الابتكار والعمل على تنويع الأعمال عالميًا اصطدامه بقضايا تسييس التكنولوجيا بعد أن أظهرت نجاحًا كبيرًا في مواجهة التحديات ومواكبة حقبة تقنية جديدة عمادها التكنولوجيا لأداء الأعمال بطريقة مبتكرة.

مثال ذلك سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه شركات التكنولوجيا الصينية التي نتج عنها قيود وتحديات على حركة التجارة العالمية.

مع انتقال المزيد من الشركات للعمل عبر الإنترنت، كشفت الجائحة عن نقاط ضعف في الاقتصاد الرقمي العالمي.

والنقص الحالي في أشباه الموصلات خير مثال على ذلك.

إنها مشكلة تتعلق بسلسلة التوريد تؤثر على مستقبل جميع الصناعات تقريبا، من صناعة السيارات الجديدة، إلى شبكات الطاقة الذكية، ووحدات المعالجة المركزية. لقد تفاقم اختلال التوازن بين العرض والطلب على الرقائق بسبب الجائحة، لكن العامل الأهم كان التسييس المستمر للتكنولوجيا ومنها قضية توريد أشباه الموصلات وحرمان عدد من الشركات الصينية المبتكرة منها، وعرقلة مستقبل توفيرها لتقنيات جديدة متطورة. ويعد هذا التطور بمثابة تذكير مهم لجميع قادة الأعمال.

وبدلا من خوض غمار محاولات فرض القيود على التجارة العالمية وخنق التنافسية، يجب على الرواد البحث باستمرار عن فرص للتنويع والابتكار في مواجهة التحديات العالمية.

ولعل عملاق التكنولوجيا هواوي من الأمثلة الحيوية لتبني نهج الابتكار وتنويع مصادر الأعمال في مواجهة التحديات.

فرغم أن هواوي على مدار السنوات الأخيرة كانت هدفًا لأمريكا وبعض الدول الغربية ووقعت في شرك القيود التي فرضتها عملية تسييس التكنولوجيا ممثلةً في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لإلحاق الضرر بشركات التكنولوجيا التي تتخذ من آسيا والصين تحديدا مقرا لها.

وتضمن ذلك قيودًا تجاريةً أمريكية على شركات التكنولوجيا في الصين واليابان وباكستان وسنغافورة، التي بدأ العديد منها في التفوق على نظيراتها الغربية في مجال الابتكار الرقمي.

وبدلا من الاستكانة للمعوقات ومحاولة حلها بالطريقة التقليدية، دفعت إجراءات الحظر وتقييد أعمال هواوي لزيادة استثماراتها في البحث والتطوير والسعي وراء إنتاج المزيد من الابتكارات لصالح مستقبل العديد من القطاعات والصناعات.

وفي عام 2020 وحده، بلغ إجمالي استثمارات الشركة في البحث والتطوير أكثر من 20 مليار دولار أمريكي، وتجاوزت 110 مليارات دولار أمريكي في العقد الماضي، ما رفعها لهرم قائمة ممتلكي براءات الاختراع عالميًا. ونتج عن ذلك نجاحها في قيادتها نشر شبكات الجيل الخامس، التقنية الأهم في عالمنا اليوم.

كذلك برزت الشركة كلاعب رئيس في سوق الخدمات السحابية في المملكة ودول منطقة الشرق الأوسط، وأعلنت مؤخرًا خلال مشاركتها في النسخة الافتتاحية من مؤتمر LEAP عزمها إنشاء منطقة سحابية إقليمية في المملكة..

كذلك انتقلت الشركة إلى نقطة أعمق في التقاطع بين الصناعات الرقمية وصناعات الطاقة، حيث تعمل شركة هواوي للطاقة الرقمية على أكبر مشروع لتخزين الطاقة من نوعه في العالم، ويقع في المملكة العربية السعودية.

وأحرزت الشركة تقدمًا في قطاع السيارات المربح، وأعلنت استثمار أكثر من مليار دولار أمريكي لمساعدة شركات صناعة السيارات على صنع سيارات أكثر ذكاءً.

ونظرا لتطلع العديد من الشركات إلى إحراز التطور والنمو والازدهار في عالم الاقتصاد الرقمي الذي بات سمة لعصر الأعمال في يومنا هذا، فإن التعاون بين القطاعين العام والخاص بعيدا عن السياسة سيكون العنصر الأهم لنهج الابتكار والتنويع.

في مواجهة التحديات فقد قامت الدول في الشرق الأوسط وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بالكثير من الجهود لاحتضان هذه الأسواق المفتوحة في السنوات الأخيرة.

فمن خلال دعم معايير التكنولوجيا الدولية مثل تلك الصادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات ورابطة «جي اس ام ايه» وغيرها، كانت الشركات في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي من بين الشركات العالمية الرائدة في تطوير خدمات الجيل الخامس التجارية.

كما اعتمدت المملكة استراتيجيات وطنية مفصلة للذكاء الاصطناعي؛ تشجع التعاون بين القطاعين العام والخاص في تنفيذ تطبيقات الذكاء الاصطناعي الصناعية.

وساهم اهتمام المملكة بأنظمة السحابة وخصوصية البيانات في فتح آفاق جديدة للأعمال في المملكة والمنطقة. أما على صعيد الكفاءات، تشجع حكومات الشرق الأوسط وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أيضًا التعاون المفتوح بين المؤسسات الأكاديمية العالمية وشركاء القطاع الخاص في المجال الرقمي.

وينظر إلى جهود تبادل المعرفة هذه على أنها محورية لإيجاد وظائف وفرص أعمال مستقبلية تسهم في تمكين البلدان من تسلق مؤشرات التنافسية والابتكار العالمية، بعيدا عن شجون تسييس التكنولوجيا.