التحول الفكري الحاصل، واسترداد الحقوق، وتطبيق القانون في حفظ النفس والحرية، له إيجابيات لا تعد ولا تحصى، اقتصاديا، أمنيا، واجتماعيا. حالة الإصلاح الاجتماعي والثقافي تسير بسرعة لم تستوعبها بعض العقول، وآلمت كبار السن، بزيادة حسرتهم على ما فاتهم.

وللأسف، في مجتمع أبوي يعطي السلطة المطلقة للعائلة، بتشكيل خيارات أبنائها الشخصية وكأنها حق من حقوقهم، حول بعض بيوتنا إلى سجن من دون ذنب، وبعض عائلاتنا إلى سجانين، السلطة المطلقة للإنسان تفضي دائما للإجرام، كما حدث في قتل كثير من الأبناء تحت ذريعة الإفراط في التأديب! وكأن أبناءهم عبيد لآبائهم المالكين.

فأتى قانون يحمي المجرم مما ستقترفه يداه، ويحمي الضحية من حظه السيئ في وجوده بمجتمع مؤدلج، ولكن الإنسان بطبيعته يبتكر طرقا جديدة ليصل لهدفه.


منعهم القانون من التعدي الجسدي والمالي، فوجدوا طريقة أقسى لمعاقبة أبنائهم، لأنهم لم يحققوا أهدافهم أو عارضوهم في خياراتهم الشخصية بالابتزاز العاطفي الذي له أشكال كثيرة جدا ولا يمكن حصرها.

الكارثة أن القانون لا يعاقب القسوة والتخلي، فأصبح كثير من الأبناء بلا عائلة محبة وداعمة، وفي أسوأ الأحوال يصل الأمر بعائلته إلى إلحاق الضرر به رغم ابتعاده، لتقليل الخسائر.

سيدات ورجال منفصلون عاطفيا بشكل تام عن عائلاتهم، منهم من ينتظر الوقت ليرقق القلوب، ومنهم من ينتظر الفرصة ليستعيد العواطف، ومنهم من استسلم لقدره وقابل القسوة بالقسوة، والأخير الهارب الذي أغرق نفسه بالعمل والدراسة والاهتمامات الخارجية، كي لا يسمح لعقله بتذكيره وقلبه بتأنيبه.

كل ثورة لها تبعات، فثورة السجين البريء تحتاج إلى شجاعة مستمرة تحميه من أي صعوبات قد يواجهها في هذا الصراع، ولأن أرض الصراع عاطفية، فدماؤه ليست حمراء، تخرج عند قطع وريد أو طعن جسد، إنما تخرج في ليلة هادئة من عينين تنزفان دمعهما حتى تنشفا.

نحن مجتمع قاس يرى أن اللطف ضعف، والقوي هو من يسبق الآخر بكسره، فأصبحنا نؤمن أن الحياة قاسية بالضرورة، ومن الطبيعي أن الجميع يعاني، فأصبحنا جميعا مختلين عاطفيا.

يتعلم الإنسان العاطفة في المقام الأول من أمه، وهي قاسية، إذ هو لا يعرف عن العاطفة سوى قسوتها.

وبما أن الجميع يحتاج لعائلة في أوقات نجاحه لتشاركه، وأوقات حزنه لتدعمه وتواسيه، فهل يمكن أن نرى مستقبلا وجود تطبيق لتأجير عائلة وقت حاجته؟