منذ إطلاقها في العام 2016، أولت الرؤية السعودية 2030 الإنسان جل ‏اهتمامها، وترجمت ذلك بإصلاحات جذرية على مختلف الأصعدة، حيث كان منها إصلاحات في المنظومة العدلية ‏والقانونية، حتى أصبحنا نتفاجأ بالخبر السعيد مع إشراقة كل يوم جديد، وباستحداث وتطوير ‏وتعديل في الأنظمة القائمة والحالية، سواء من ناحية جودة الخدمات أو سرعة ‏الوصول لها وإنجازها بأسرع وقت وأقل تكلفة، بما يحفظ حقوق المجتمع ‏بأفراده وبالحقوق والممتلكات، ويرسِّخ مبادئ العدالة والشفافية ويحسن جودة ‏الحياة ويحمي حقوق الإنسان، ويسهم في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة ‏لأبناء وبنات هذا الوطن.‏

قبل أيام استبشرنا خيرًا بصدور موافقة مجلس الوزراء على نظام الأحوال ‏الشخصية الذي كان متطلبًا، وأصبح وبحمد الله واقعًا نعيشه، نتيجة النهضة ‏التي تشهدها المملكة في جميع المجالات، ولعلنا نتفق جميعًا على أن صدور ‏هذا النظام يُشكل نقلة نوعية كبرى في قضايا الأحوال الشخصية والتي تصب ‏في صون وحماية واستقرار كيان الأسرة السعودية وتأطير العلاقات بين ‏أفرادها، كونه وضع النقاط على الحروف بمعرفة الحقوق والالتزامات التي على الأسرة ‏ومن له علاقة بها،و جاء مفصلًا وشاملًا لأبرز المسائل التي تمر على ‏المحاكم وأبرز الحقوق التي يطالب بها أفراد المجتمع عن طريق الجهات ‏المعنية. ‏

ولا شك في أن نظام الأحوال الشخصية بهذه الصورة، عالج المشكلات ‏التي تعاني منها الأسرة كافة، ونظم مسائل الأحوال الشخصية تنظيما دقيقًا، ‏نظرًا لتركيزه على حل الإشكاليات التي ظهرت في النظام السابق، ‏الذي كان حافلًا بالعديد من الثغرات الواسعة التي كان لها سلبياتها الكثيره على كيان الأسرة السعودية ‏خاصة فيها يتعلق بهضم حقوق المرأة وأطفالها، فضلًا عن طول أمد التقاضي وضياع الحقوق، ‏بين متاهات المحاكم وتباين الاجتهادات التي تتأرجح بينها مصائر الأسرة فيما يتعلق بقضاياها المصيرية.

من وجهة نظري، فقد استمد النظام الجديد؛ الذي يعتبر ثاني الأنظمة الأربعة ‏التي أعلن عنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز سابقًا؛ قوته من استناد أحكامه على ‏الشريعة الإسلامية ومقاصدها، ومراعاتها لمستجدات الواقع ومتغيراته، فضلا ‏عن صدوره وفقًا لدراسة شاملة ومتأنية لجميع شرائح المجتمع ‏ومتطلباتهم وأبرز مشكلاتهم والتحديات التي كانت تواجههم، بشكل ينظم ‏ويحفظ ويحمي حقوق الجميع، بما يشمل الخطبة والزواج والمهر وحقوق ‏الزوجين والأبناء، وآثار الفرقة بين الزوجين ومسائل النفقات والحضانة وأحكام ‏الولاية والوصاية والنسب ومسائل الإرث، فقد حددت مواد النظام الـ254 سن ‏الزواج وعالجت أحكام العضل وغياب الأولياء، كما أكدت ‏على حق المرأة في النفقة بمختلف مراحل ارتباطها مع الزوج بغض النظر ‏عن حالتها المادية.‏

إضافة إلى ذلك، نصت مواد النظام على حفظ نسب الطفل، واستخدام الطرق ‏الحديثة، فيما يتعلق بإثبات النسب الفصل في المسائل الخلافية المتعلقة في ‏احتساب عدد التطليقات، بما يحافظ على استقرار الأسرة واستمراريتها، مع ‏الإلزام بتوثيق وقائع الزواج والطلاق وما يتعلق بالفرقة والرجعة، وكذلك تقرير ‏مصلحة المحضون وعدم استغلال الاجتهادات السابقة؛ لمنع المساومة بشيء ‏منها عند الفراق، وأيضا إثبات حق المرأة في توثيق الفسخ والطلاق، سواء ‏بإرادة منفردة أو مع عدم موافقة الزوج، علاوة على تعويض الزوجة في حال ‏ضررها من عدم تطبيق أحكام وحالات محددة من هذا النظام. ‏

ليس ذلك فحسب، بل إن النظام الجديد ‏سيعمل على ضبط السلطة التقديرية للقضاة، وفقًا لشريعتنا السمحة ثم لأحدث النظريات ‏والممارسات القضائية الدولية بهذا الصدد، ويعمل على الحد من اختلاف الأحكام ‏القضائية، حيث إنه يساعد القضاة على التركيز على تطبيق النظام والحفاظ على ‏الحقوق من الاجتهادات، فقد كانت في السابق تأتي المحاكم بعض المسائل التي تختلف فيها ‏الاجتهادات على ضوء الآراء الفقهية وعُرف المجتمع في كل منطقة ‏والمتغيرات ومصلحة الأسرة، مما يجعل هناك تباينا في الأحكام بمختلف ‏المناطق، بل أحيانًا تتباين في منطقة واحدة؛ لذا فقد جاء هذا النظام ‏ليعزز القدرة على التنبؤ بالأحكام القضائية، ويرفع من جودة الأحكام، ويقر ‏مبادئ سامية، ويرفع مستوى المصداقية والشفافية لدى أفراد المجتمع، ويحافظ على ‏استقرارهم ويمكّنهم من حقوقهم.‏

أجمل ما في رؤية 2030 أنها تجعل كل شيء ممكنا وواضحًا، ولا تسمح بالتأخير أو التسويف، وتجتهد لتنتصر للإنسان في كل تفاصيل حياته، ليتفرغ للعمل بحب وسعادة وثقة ويقين أن كل شيء على الطريق الصحيح.