أقيم معرض الدفاع العالمي في نسخته الأولى في الرياض قبل أيام، وكان حدثا دوليا جلب الانتباه والمشاركة للمختصين في مجالات الدفاع والأمن من شتى أنحاء العالم، فهناك حوالي 600 جهة عارضة من 40 دولة.

ووددت أن نكتب انطباعنا عن المعرض بشكل موضوعي ونذكر الإيجابيات والسلبيات بحيادية، وربما ما يؤهلنا لكتابة ذلك هو خبرة حوالي 15 سنة في زيارات معارض الدفاع حول العالم من شرقة لغربه وأمور أخرى قد لا يتسع المجال لذكرها.

ولنبدأ بالإيجابيات، فالتفاؤل مطلوب، كان تنظيم الهيئة العامة للصناعات العسكرية (غامي) للمعرض خطوة مهمة وأساسية في تطوير الصناعة العسكرية، الصراحة تفاجأت بتنظيمهم لأنها المرة الأولى والجهات الحكومية ليست معتادة على تنظيم المعارض العالمية الدفاعية للمرة الأولى، كان التنظيم أفضل من المتوقع، وأنا أذكر المعارض الدفاعية الدولية في المنطقة كيف بدأت وتحسنت مع الوقت لكن (غامي)، بدأت من منتصف الطريق وليس أوله، وهذا شيء يحسب لهم، لا يعني أنه ليس هناك ملاحظات بل هناك عدة حقول في المعرض تحتاج إلى تحسين وتعديل.

الملاحظ في المعرض أن الشركات الوطنية كانت على نوعين، نوع يعرف ماذا يريد وله هدف واضح، وشركات أخرى فعلا تشعرك أنها مجرد تجميع أشياء غير متجانسة كأنك داخل أسواق الديرة القديمة سابقا، تجد المحل يبيع أعشاب العطارة مع أنواع الأقمشة ومع الأغذية! الصناعة العسكرية من أعقد الصناعات ليس فقط من الناحية التقنية ولكن أيضا تدخل فيها عدة عوامل سياسية واقتصادية ومعرفة وإستراتيجية وتسويق، إن عدة مذكرات تفاهم مع عدة شركات عالمية ليس تجميعا أو تصنيعا، بل هذا وكالة ووكيل أو موزع لكن بشكل مطور لكي تتأقلم ظاهريا مع الرؤية، وجلب مستشارين أجانب لن يطور صناعة عسكرية متكاملة إذا لم يكن الهدف والإستراتيجية واضحين وبناء على معايير علمية واضحة وجدول زمني واقعي! صحيح رأينا شركات وطنية نفتخر بها ولكن بالمقابل رأينا نوعا من (الهبد) وغير الواقعية في الشركات الأخرى!

بالنسبة للشركات العالمية الكبرى، خصوصا الغربية، اسميهم (مادين بوزهم شبرين) هذا ما أحسسته رغم محاولة إظهار سرورهم، تغير الموضوع عليهم وأصبح الوضع مختلفا عن الأول، ولن يكون هناك احتكار ولن يكون مثل السابق (نعرف فلان وفلان) كما كانوا يفتخرون لما كنا نقابلهم قبل سنوات في المعارض الدولية، لكن الغريب أنهم ما زالوا في (وهم) أن هذه المرحلة مؤقتة وأنهم سيتعرفون على الجيل الجديد من المسؤولين وسيستخدمون السياسيين الغربيين وعلاقاتهم، وسيرجع الوضع كما كان قبل فترة، لكن النقاش البسيط معهم، شرحنا لهم ببساطة، (أنتم الآن تنتظرون التغيير لصالحكم لأكل الكعكة لكن الآسيويين والشرقيين يقضمون المشاريع وأنتم تتفرجون وربما إذا انتظرتم أطول لن تكون هناك مشاريع لكم، فاتركوا النفخة الكذابة والغرور وقدموا تنازلات الآن، يا تلحق يا ما تلحق !).

من وجهة نظر شخصية تفاجأت جدا بمنصة (سامي)! توقعتها أفضل مماهي عليه بكثير، وهناك شيء غير مفهوم، عندما تشارك شركة في معرض دولي يكون لديها هدف ورسالة تريد إيصالها وشخصية معينة للشركة تريد إظهارها، لكن منصة سامي رغم كبرها كانت شتاتا من هذا وذاك ولم أستطع رؤية رسالة الشركة وشخصيتها، وليعذرني الإخوان في سامي، منصتهم لا تتسق مع بعضها، فلم يخرج اللباس أنيقا، قد يقول قائل سامي عندها مشاريع كبرى وشراكات واستحواذات وعمل كبير وهذا صحيح، لكن لنتكلم عن جزئية مشاركتهم بالمعرض ما هي الرسالة التي أرادوا إيصالها من هذه التشكيلة من المعروضات، لو سامي عرضت بضع أمور منسقة لكن أفضل من هذا العدد الكبير والتشتت في المعروضات، وأحيانا العدد لا يهم مثل الشخصية والرسالة!

الآسيويون والشرقيون تحسن أداؤهم بشكل ملحوظ في هذا المعرض، سابقا أذكرهم يعرضون (يهبدون) كل شيء في المعارض السابقة دوليا، الآن أصبحوا أكثر تركيزا ويعرفون ماذا يعرضون!

من الملاحظات أيضا أن هناك قطاعا عسكريا ما زال يعاني، وللأسف تحسه أقل تقدما وتخطيطا من بقية القطاعات العسكرية التي تطور أداؤها بشدة، لكن وعدت من عدة سنوات ألا أنتقد قطاعا عسكريا بسبب حرب اليمن وليس وقت النقد العلني لقطاعات الجيش وسألتزم بذلك الآن إلى أن تنتهي حرب اليمن بنصر مؤزر إن شاء الله ووقتها لكل حادث حديث.

الملاحظ أن بعض الشركات الغربية بدأت تعطي بعض الوعود في التصنيع ونقل التكنولوجيا العسكرية، وأنا أقول احذروا احذروا احذروا، قد يكون مسمار جحا، حتى لا تذهب الصفقات للآسيويين وغيرهم ربما يعد الغربيون الآن بالتصنيع وبعد العقود وبداية إنشاء المصانع يجدون (مسمار جحا) أو حقوق الخضر والزرق ويوقفون المصنع في منتصفه، ويكون الموضوع معلقا، فلا الشريك السعودي ذهب مع شريك آخر ولا هو يقدر الاستمرار مع هذا الشريك بعد كل ما استثمره، ولا نريد تقليب المواجع لبعض المشاريع التي وعد بها الغربيون بأن تكون تصنيعا أو تجميعا محليا وفي الأخير لم يبن مسمارا (ورجعنا يا طير يا الي) !

قبل المؤتمر سمعنا كلاما كثيرا في الأوساط العسكرية أن العلماء الأوكرانيين بدأت تتلقفهم الدول للعمل عندها من خلال عقود عمل، وهم لديهم خبرة عسكرية لعقود من الزمن، ونقول لبعض ربعنا الحق أو ما تلحق ! سؤال يتداول الآن بين المختصين: ماذا استفادت المنطقة من الدروس العسكرية في الحرب الروسية الأوكرانية، وهذا سؤال مهم يجب استخلاص العبر ومن ثم توجيه التصنيع ليتلاءم مع ما حدث في الحربين الأذرية – الأرمنية، والروسية – الأوكرانية! دخلت هذا المعرض بثلاثة تساؤلات جوهرية ومجالات نعاني نقصا فيها وأهل العرف يعرفونها وملاحظين وضعها وتمت الإجابة على نصف سؤال فقط! المختصر أني سعيد جدا في المعرض وأعتبره خطوة جبارة، وأرفع القبعة لـ (غامي) لكن هناك أمورا تحتاج تحسينا في النسخ القادمة. أيضا فخور جدا ببعض الشركات الوطنية، وأيضا أقول لبعض الشركات الوطنية الأخرى من باب النصح، ترى وجود المال ومذكرات التفاهم لا يؤسس صناعة عسكرية متقدمة إذا لم يكن هناك فكر واستراتيجية. ونراكم في النسخة القادمة بإذن الله ستكون أفضل وأفضل.