حتى اليوم لم ينجح الغرب في رؤية المسلمين بصورة عقلانية، تفصل بين انتماءاتهم الفكرية والأيديولوجية المختلفة، بل لا يزال يُنظَر للمسلمين ككتلة واحدة يفسد فيها الطالح على الصالح، ومن هنا جاءت معضلة الإسلاموفوبيا الأساس في التفريق بين المسلم الصالح والمسلم المتطرف، وهذا الجانب يضع الإسلاموفوبيا أو الترهيب من الإسلام في مصاف الجريمة العالمية القائمة على تعميق التمييز بين البشر، وفقًا لمعتقداتهم الدِّينية، وتعميق الخلط الأسود بين الإسلام كدِين سماوي يدعو إلى العدل والحرية والمساواة، وبين منظمات أو جماعات تفسِّـره بطريقة خاطئة، وليست محلًا لقبول غالبية المسلمين.

والإسلام اليوم منتشر في كل المجتمعات والدول، وبات متعذرًا على أي دولة أن تقول إنها خالصة لاتباع دِين واحد، فالكل متعدد الأديان والثقافات، والعالم بغالبه اليوم تجاوز منطقة التصنيف بالديانات.

وتمهيدًا للمقال، أعرض ما حدث في ديسمبر 2020 حينما قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحل «التجمع المناهض للإسلاموفوبيا» في فرنسا رسميًا، في أعقاب جريمة قتل المدرس الفرنسي صامويل باتي، وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان أعلن في نوفمبر من ذات العام أنه أخطر الأمن الفرنسي بتنفيذ حل جمعية مكافحة العداء للمسلمين المعروفة «بالتجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا»، متهمًا هذا التجمع بأنه «وكر إسلاموي يعمل ضد الجمهورية»، في هذه الأثناء وقبلها وبعدها، كانت المملكة العربية السعودية تقود جهودًا حثيثة لمساعدة العالم الغربي– تحديدًا وغيره– على تجاوز عقدة «الإسلاموفوبيا»، عبر أروقة الأمم المتحدة، وتقوم بحزمة من الأعمال مع مجموعة من الدول الإسلامية، لإظهار صورة الإسلام الحقيقية التي سوَّدها الإسلام السياسي في أوروبا وأمريكا، ودول عديدة عبر العالم، وهنا كما نرى فيما حدث في فرنسا في ديسمبر 2020، وغيره الكثير، يتم إفساد كل الجهود الدولية التي تقوم بها السعودية وأشقاؤها من العرب والمسلمين، من أجل إبراز صورة الإسلام الحقيقية، وفرزها عن صور التطرف والإرهاب الذي تمارسه جماعات وتنظيمات الإسلام السياسي.

ومشروع الإسلام السياسي اضطلع بجريمة شنيعة إبّان ما يعرف بالربيع العربي، والتي كادت تدمر العالم العربي، حيث إنه يعمد إلى تدمير أي مصلحه أو صلة بين العرب والغرب لو استطاع إلى ذلك سبيلا، بحكم أضحوكة أن الغرب هو من يحمي الأنظمة السياسية في العالم العربي، وإذا انفصمت عرى هذه العلاقة أصبح من السهولة بمكان إسقاط هذه الأنظمة، وما زلنا بمجموعنا الإقليمي العربي ندفع ثمن تغول هذا التيار والتنظيمات داخليًا وخارجيًا.

والمملكة العربية السعودية التي رحبت بقرار اعتماد الجمعية العامة في منظمة الأمم المتحدة يوم 15 مارس من كل عام يومًا عالمياً للقضاء على الإسلاموفوبيا، اتخذت– وما زال– العديد من الخطوات والمبادرات المهمة على المستويين الإقليمي والدولي، لمحاربة الفكر الضال والمتطرف، ونشر ثقافة الحوار والتسامح والاعتدال؛ لينعم العالم بمزيد من الأمن والاستقرار والرفاه والازدهار، ولطالما شددت السعودية على ضرورة التصدي لممارسات التمييز والعنصرية ضد المسلمين في بعض المناطق من العالم.

وحينما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء 15 مارس 2022، بالإجماع بتعيين 15 مارس، يومًا دوليًا لمكافحة الإسلاموفوبيا، وجاء اختيار هذا اليوم لتوافقه مع ذكرى حادثة الهجوم على مسجدي نيوزيلندا في 15 مارس 2019، واجه القرار بعض التحفظات من قبل ممثلي الهند وفرنسا والاتحاد الأوروبي: (كون التعصب الديني سائدًا في جميع أنحاء العالم، فإن القرار خص الإسلام فقط واستبعد باقي الأديان)، وهذا التحفظ يبدو مفهومًا نوعًا ما بحكم أننا كلما اقتربنا من بوابة الخروج من أزمة الإسلاموفوبيا، أعادتها تنظيمات الإسلام السياسي إلى واجهة الإعلام والسياسة الدولية، فبعد أحداث 11 سبتمبر، تضاعفت فكرة الإسلاموفوبيا، وأصبح الخوف من الإسلام قضية مقلقة للمسلمين عبر العالم قبل غيرهم من الشعوب، فهذه الفكرة التي تعتبر أن كل مسلم إرهابي أو على الأقل مشروع إرهابي، ضرب من ضروب العنصرية في أسوأ صورها، وظاهرة تبعاتها الكارثية على المسلمين تستدعي مبادرات خلاقة، وتعاون مع كل القوى، للحد منها وإنهائها، خصوصًا مع إخفاق الإعلام العربي في توضيح الحقائق والرد العاقل، وغياب دوره ربما لسوء تقدير الموقف وعدم الاستعداد للمواجهة ومواصلة الأساليب البالية في التعامل مع الأحداث دون أن تفلح الثورة التقنية في مواكبة العصر وتقديم مادة عصرية مختلفة تخاطب الغرب وتحاور الرأي العام العالمي بصورة مباشرة.

تواجهنا تحديات جمة، في تجاوز معضلة الإسلاموفوبيا، من أهمها ظاهرتا الإرهاب، والتطرف الديني اللذان يتخذان من الإرهاب سبيلاً لتحقيق مآرب لا علاقة لها بأصول ديننا الحنيف، ومحاولة توظيف هذه الظاهرة لتحقيق أهداف سياسية وتوفير الملاذ والتمويل للعناصر المتطرفة، وهنا من المهم الحذر من نجاح الإسلام السياسي في إدراج حظر تنظيماته وأعماله تحت نظام مكافحة الإسلاموفوبيا، وهو ما أشار له أنور إبراهيم نائب الرئيس الماليزي السابق، من أن الإسلاموفوبيا ليست قاصِـرة على الغرب فقط، بل هي موجودة أيضا في العالم الإسلامي نفسه، وإنما تأخذ أشكالا أخرى بين المسلمين وبعضهم البعض.

وهذا الأمر انتبهت له دول الاعتدال الإسلامي وعلى رأسها السعودية للتحرك خشية من ركوب المتطرفين المسلمين الموجة، والتي يشكل فيها الاستفزاز الديني والمذهبي ربيع التجنيد عند التنظيمات الإرهابية كداعش وغيره، ومن هنا فلا بد لنا أن نتنبه لئلَّا تتحول الإسلاموفوبيا إلى فزاعة وتهمة تلصق بالذين يتجرؤون على طرح الأسئلة الصعبة حول سلوك بعض المسلمين وحول تفسيراتهم للدين.

وكذلك لا بد من التنبه ألا تكون الإسلاموفوبيا ملاذًا لاحتواء ردود الفعل الغاضبة والطبيعية في المجتمعات الغربية على العمليات الإرهابية من قبل الجماعات الإرهابية، فليس من المعقول عندما يخاف الإنسان من داعش أو يكرهها يقال إن لديه إسلاموفوبيا.

وبناء على ذلك يجب علينا الوعي التام في التفريق بين انتقاد الدين وانتقاد التشدد الديني أو الجانب الأيديولوجي والشمولي في الدين، والأهم من ذلك كله هو الإجابة العقلانية الصحيحة والسليمة عن جزء غير يسير من التراث الديني تم تفسيره بأنه كاره للآخر ويحض على العنف والقتل والحروب.