ليست هناك مهمة على مستوى العالم أسهل من عملية الانتقاد.

فمن السهل جداً أن تكون على سفوح قمة راحتك وفي أوج لحظات الاستجمام، وتمارس نقداً أو تنظيراً تجاه موضوع معقد وصعب ومتشابك لا تعرف عنه سوى عنوانه. فالانتقاد وتسطيح الأمور وادعاء امتلاك الحلول المنطقية السهلة، جميعها مقومات لا تتطلب منك أي جهد يذكر.

ولعل شبكات التواصل الاجتماعي وسعت كثيراً هذه الدائرة. فبإمكانك وأنت تحتسي قهوتك في غرفة مكيفة، وتنعم بكل سبل الراحة، أن تقلل من جهد مضن لجموع من العاملين واللجان وتنتقص من مشروع وأعمال لا تعرف عنها شيئا.

الصعوبة والنجاح يكمنان في أن تكون لاعبا رئيسيا في معركة التنمية، وأن تبذل قدراتك الذهنية والجسدية من أجل المساهمة مع الآخرين في دفع تلك العجلة، وجعلها أكثر حركة واستجابة لمتطلبات هذا الوقت.

أما عن كونك تصبح رقما هامشيا في المدرج، وتتابع مسرح الأحداث التنموية وحراكها وأنت تمارس الضجيج منتقدا ومنظرا، فذلك لا يمثل أي قيمة لنجاح تفخر به.

فالتنظير عرف سابقاً أنه يكون لدائرة الأشخاص المختصين، أو الذين يقدمون عصارة خبراتهم ومعارفهم لإنجاح أي عمل. وقد يحدث ذلك وهم على مقاعد العمل، ولكن المشكلة تتلخص في أن الشبكات أتاحت الفرصة للجميع الدخول إلى تلك الدائرة وممارسة أسهل المهن، وهي انتقاد كل شيء أعرف عنه لا شيء.

ولو محصنا الواقع المهني لكثير من تلك الشخصيات المنتقدة، لوجدنا العجب العجاب ما بين إخفاقات وعثرات وتسويف. كل هذا الفشل المتراكم لا يكترث صاحبه بأن يقدم نفسه أمام المتابعين في تلك الشبكات بأنه «الجلاد» وحامل لواء التغيير، وأنه عراب النقد والقادر على إصلاح مكامن الخلل في كافة القطاعات والجهات؟

وليس هناك أسوأ من فئة المنتقدين لأجل الانتقاد فقط، فهم لم يكلفوا أنفسهم حتى بامتلاك أبجديات النقد المتمثلة في التعرف على مسببات المشكلة، وتقديم حلول لتلك الإشكالية، فهم يلتقطون جزءا من الحدث، يسلطون الضوء عليه ويعزفون سيمفونية التنظير الشعبوي، دون تقديم أي فائدة للمتلقي أو حتى الجهة المنتقدة.

ومن الأمور التي يغفل عنها السادة المنظرون في كثير من الأحيان، تغييب جانب المنطق وذلك حين يطرحون أفكارا بدائية وبسيطة ويسطحون القضية بحجة أن الحلول سهلة، فهل يخيل لهم أن الجهات بكوادر عملها واللجان والتقاطعات المرتبطة بالجهات الأخرى لم يفكروا لوهلة بحلول العبقرية البسيطة التي تكفل لهم حل الإشكاليات كافة!

الزوايا السلبية في تنامي ظاهرة المنظرين المنتقدين لكافة الأمور، هو تنامي مدرج متابعين لهم، وبالتالي يمكن أن يغلف بعض آرائه بأسلوب شعبوي أو درامي، حتى يكسب جمهورا أكثر على أكتاف القضية المراد نقدها.

وثامن عجائب الدنيا، تتجلى في أولئك المنتقدين الذين يمارسونه على الأصعدة والاتجاهات كافة على مدار اليوم، وهو أكثر الأشخاص حساسية وخوفا من الانتقاد، بل إن الغالبية منهم يمارس إقصاء من يختلف معه في وجهة النظر وليس انتقاده، وتزخر حسابات تلك الفئة بالحسابات المحظورة، لمجرد أنهم اختلفوا معهم، في تناقض صارخ ومريب.