كثيرًا ما تتردد الأنباء عن سحب دواء ما من الأسواق، لكن كثيرين مما يسمعون الخبر لا يعلمون الآلية التي يتم وفقها سحب هذا الدواء، أو حتى تعليقه في دولة دون أخرى، كما لا يدركون أيضًا ما هي الاختبارات التي مر بها الدواء، وما هي كفايتها، وهل أثبتت أن له تأثيرات جانبية أم لا. يقول أستاذ الصيدلانيات والتقنية الحيوية المساعد في جامعة جازان الدكتور أسامة مدخلي لـ«الوطن»: «إن عملية سحب الدواء أو ما يسمى بـ(Drug recall) تعد من العمليات الفعالة لحماية المستهلك (المريض) من المنتجات الضارة وغير الصالحة للاستخدام، وهو إجراء يحدث في أي وقت من قبل المصنع مباشرة (self reporting) أو من هيئة الغذاء والدواء متى خالف المنتج قوانين الجودة، أو تشريعات الهيئة في البلد المستهلك، وهو ينطبق على الأدوية الوصفية وغير الوصفية على حد سواء».

كوارث الأدوية

أشار المدخلي إلى أن سحب الدواء يعود إلى عدة أسباب منها مأمونية الدواء، تلوثه، وجود معلومات خاطئة عن الدواء أو تغير تركيزه، سواء بالزيادة أو النقصان أو تلف في عبوة المستحضر أو وجود مواد شائبة تؤثر على نقاوة المستحضر.

وتابع «تعد كارثة دواء الثاليدومايد من أكثر القصص المأساوية، حيث أطلق عام 1957 لعلاج دوار الصباح عند النساء الحوامل بعد الموافقة على استخدامه، بناء على نتائج اختبار رئيس واحد، وعمم على أنه عقار آمن طبيًا، بعد ذلك ظهرت الآثار الجانبية له، حيث أثر على أكثر من 10 آلاف طفل ولدوا بتشوهات خلقية، وتسبب في إجهاض عدد كبير من النساء، لكنه استمر 5 سنوات في الأسواق حتى الكشف عن الصلة بينه وبين آثاره الجانبية».

في الفترة الأخيرة تم سحب عدد كبير من الأدوية من السوق السعودي، أبرزها مادة الرانتدين لاحتمالية ارتفاع مستويات شوائب (NDMA) عن الحد المقبول استهلاكه بشكل اليومي، مع احتمال احتواء هذه الشوائب على مواد مسرطنة.

أدوية تم سحبها

يعدّد مستشار الإعلام الصحي والصيدلي الدكتور صبحي الحداد بعض الأدوية، التي سحبت خلال السنوات الماضية مثل: جوسبرين أقراص (أسبرين)، (رانيتيدين) زانتاك للحموضة، أوميز، رابيبرازول (رابيزول 20،10 ملغم) للحموضة، ريدكتيل أقراص للتخسيس، مسكن بروفينال شراب للأطفال، ميبفرين للقولون، مسكن روفيكوكسيب وفالديكوكسيب، كوبروكسامول، ثيوريدازين، بربوكسيفين، أوزوغاميسين، روسيغليتازون وجلوكير اكس آر 750 منظم السكر، وعشرات الأدوية الأخرى.

آلية السحب

بيّن المدخلي المعايير التي يتم ملاحظتها لسحب الدواء بشكل دائم أو مؤقت، وقال: «تعتمد هيئة الغذاء على 3 مستويات لسحب المنتج من السوق، وبناء على المستويات الثلاثة يكون السحب بشكل مؤقت أو دائم، وغالبًا لا يعاد المنتج للسوق إذا كان يصنف تحت المستوى الأول».

تباين الدول في السحب

عن سحب الأدوية في دولة دون أخرى، أفاد المدخلي أنه قد يتم سحب المنتج من دولة ما ويبقى استخدامه في دولة أخرى؛ وذلك بسبب مخالفة هذا المنتج للتشريعات الصادرة من هيئة الغذاء والدواء في البلد الذي سحب منه، أو بسبب اكتشاف بعض المشاكل له في بلد ما وعدم اكتشافها في بلد آخر، وذلك كله يعود للبلد المصدر لهذا المنتج إذا كان غير البلد الأصلي.

وتابع: «سحب الدواء من السوق إجراء وقائي لحماية المستهلك من الآثار الجانبية التي قد تكون ضارة، وفي أحيان نادرة قد تكون مميتة».

المسؤولية الرقابية

يقول الحداد: «في كل دولة هناك جهة رقابية واحدة مسؤولة عن السماح بتسويق الأدوية والمستحضرات الطبية والتكميلية، وفي نفس الوقت هي أيضًا مسؤولة عن سحبها أو تعليقها أو منعها من التداول، فوكالة الأدوية الأوروبية هي المسؤولة عن إجراءات المصادقة من عدمها، وحتى سحب الدواء من الأسواق في بلدان الاتحاد الأوروبي، بينما في أمريكا فإن هيئة الغذاء والدواء (FDA) هي المسؤولة عن ذلك، وفي السعودية فإن هيئة الغذاء والدواء (SFDA) هي المسؤول الأول عن ذلك، بعد أن كان الأمر بيد وزارة الصحة لسنوات، كما توجد خدمة تيقظ التابعة للهيئة في السعودية وهي تستقبل البلاغات من الممارسين الصحيين والمشافي والمراكز الطبية، وغيرهم عند حدوث أي أعراض جانبية أو خلل في جودة المنتجات الدوائية».

مراحل اعتماد الأدوية

حول المدة التي يستغرقها الدواء للاعتماد في الأسواق، ومراحل ذلك، أفاد الحداد أنه عادة يمر أي دواء جديد بعدة مراحل أو خطوات لابد منها لضمان فعاليته ومأمونيته وسلامته من الآثار الجانبية الخطيرة، وذلك قبل تقديمه للجهات المختصة للموافقة على طرحه في الأسواق، وتمر مراحل البحث والتطوير من المختبر إلى الإنسان بأربع مراحل هي:

أولًا: الاختبارات قبل السريرية (قبل الإكلينيكية)، وفيها يعطي الباحثون جرعة الدواء التجريبي لحيوانات المختبر مثلا للفئران أو القرود،؛ لمعرفة ما إذا كان الدواء سينُتِج استجابة أم لا!

ثانيًا: الاختبارات السريرية (الإكلينيكية) وتشمل 3 مراحل:

الأولى: Phase 1 وتسمى (تجارب السلامة)، وفيها يعطي الباحثون الدواء التجريبي لعينة صغيرة من البالغين الأصحاء (50 - 100 متطوع) للتأكد من أنه يعطي فعالية، ولاختبار سلامته والجرعة المناسبة.

الثانية: Phase 2 وتسمى (التجارب الموسّعة)، وفيها يعطي الباحثون الدواء التجريبي لنحو مئات المتطوعين، الذين يتم تقسيمهم إلى مجموعات، مثل الأطفال وكبار السن، لمعرفة ما إن كان الدواء يعمل بشكل مختلف فيها.

وهدف هذه المرحلة أيضًا التأكد من أن الدواء فعّال ويعمل جيدًا، وكذلك اختبار سلامته، واختبار أمور أخرى متعلقة بتصنيعه بهدف الحصول على تناسق في التصنيع، بحيث تخرج جميع تشغيلات الدواء بنتائج مماثلة.

الثالثة: Phase 3 وتسمى (تجارب الفعالية)، وهي أهم مرحلة في الاختبارات السريرية الخاصة بأي دواء، وفيها يعطي الباحثون الدواء التجريبي لآلاف المتطوعين، وتكمن أهمية هذه المرحلة في أنها سوف تثبت «فعالية الدواء» من عدمها.

ومع نهاية تجارب المرحلة الثالثة سيتم معرفة إن كان هذا الدواء التجريبي سيمنع الإصابة بشكل كامل أو جزئي، بمعنى هل سيمنع بالقليل ظهور أعراض المرض أو مضاعفاته؟.

والإجابة تكون من خلال إجراء اختبارات سريرية عشوائية، يشترك فيها آلاف المتطوعين الذين يقسمون إلى مجموعتين: الأولى تأخذ الدواء التجريبي، والثانية تأخذ دواء كاذب بلاسيبو (placebo) البلاسيبو قد يحتوي فقط على بودرة النشاء أو سكر.. إلخ، وقد يعطي نتائج مماثلة للدواء الأصلي بسبب تأثير الحالة النفسية للمريض.

3 أسباب لسحب الدواء من السوق

- المنتج المسحوب يؤثر بشكل خطير على الصحة مما يؤدي للوفاة.

- المنتج يؤثر بشكل مؤقت، كأن يقل تركيزه لسبب ما.

- المنتج لا يؤثر على المريض، لكنه خالف بعض القوانين والتشريعات.