دون مقدمات، بعض الزملاء الصحفيين تحدثوا لي، عتبا أو شكوى، بعد نقدي المتكرر جودة بعض ما ينشر في الصحافة السعودية، ونزول مستوى النشر بشدة عند بعض الإعلاميين، وسأنقل ما قيل للمسؤولين عن الإعلام.

كيف أطلب من الصحفيين أن يكتبوا بموضوعية، وينتقدوا أداء بعض المسؤولين والجهات، إذا كان النقد سيجلب المشكلات للصحفيين، وهم ليسوا محميين. كيف نقارن موارد صحفي بسيط، ربما حتى يتأخر راتبه أو مكافأته الشهرية، إذا نقد جهة حكومية، حتى لو كان نقدا واقعيا، وتكون لتلك الجهة موارد كبرى وأقسام قانونية، والبعض ربما جند أقسامه القانونية لملاحقة الصحفيين، حتى ولو عرف أنه لن يفوز بالقضية، فالمراجعات والمحامين والقلق الذي يسببه للصحفي والوقت المُهدر من باب «خلنا نأدبه علشان ما يعودها»، فبعض المسؤولين جالسين في مكاتبهم المكيفة، يشربون الشاي، وأقسام الشؤون القانونية في إداراتهم تشن حملات على الصحفيين، و«خذلك قضايا»، والي يضيع وقته وجهده، وضغوطات من بين استدعاء وقضايا، هو الصحفي المسكين!.

كيف نريد أن تكون الصحافة «السلطة الرابعة»، وتساعد في تبيين الحقائق وتعديل الأمور إذا لم تكن محمية؟!.

كيف نريد صحافة راقية تعبر عن الحقائق وبعض الجهات تلاحق الصحفيين على الكلمة؟!.

الآن، للأسف، بعض الصحفيين يدور «كفاية الشر»، وتحوّل من صحفي إلى موظف علاقات عامة لبعض الجهات، وأنواع التملق والتطبيل، وما بقي إلا أن نرى بعض الصحفيين يكتبون معلومة حصرية عن قهوة المسؤول، وكيف يحبها بالزعفران، وأن هذا يدل على ذكاء المسؤول، وبُعد نظره!.

هل ألوم الصحفي إذا كان بين خيارين: أحدهما الملاحقة في المحاكم والجهات، لقوله ما يعتقده، والآخر «يكتب أي شيء في أي شيء» مع قليل من التلميع لبعض الجهات والمسؤولين،وإذا شد حيله شوي، فيمكن يكتب قصيدة في المسؤول، وبدل ما كانوا يقولون، كما في الأفلام التاريخية القديمة، «اعطوه كيسا من الدنانير»، يصير الموضوع «اعطوه منصب مستشار إعلامي واعزموه على كل مناسبات الإدارة»!.

أستغرب من بعض المسؤولين أنه يسر ويفرح بخبر أو مقال يمدحه أو يمدح أداءه، وهو يدري أنه كتب لحاجة أو لغرض ما!.

وجهة نظر شخصية أنه يجب على المسؤول أن يكون راقيا وعالي الذوق حتى فيما يقرؤه. فعندما ترى مقالا ذا جودة عالية، فإنك تستمتع بقراءته، حتى لو كنت لا تتفق معه. لماذا نقرأ الصحافة العالمية؟،

لأننا نريد أن نقرأ مقالات نخب، ومكتوبة باحترافية، وتكون عالية الجودة مع أفكار جديدة خلاقة، ونظرة إلى الأمور من زاوية مختلفة، أي أننا نبحث عن مقال يبعث النشوة الفكرية ويغذي أفكارنا. فمع أن كثيرا من المقالات قد لا نتفق معها، لكن نحترم صنعة الكتابة والأفكار.

أنا بدوي، والبدو يقولون «الكلمة الي تستحي منها بدها»، فإذا لم تعتنوا وتحموا الإعلاميين والصحفيين، فلن تجدوا صحافة فعالة موضوعية محترفة، تدافع عن الوطن، وتنتقد وتعدل الأخطاء، ولن تكون هناك لا سلطة رابعة ولا عاشرة، وسيكون العديد من إعلامنا يشبه «سواليف شاي الضحى»، و«الأكلة المفضلة لدى المسؤول الفلاني»، ولا أحد يقول ويتساءل: لماذا هناك عزوف من الجمهور عن الإعلام التقليدي والجرائد؟.

إذا كان هذا هو مستوى المحتوى، فلا تلوم الناس على العزوف، وسيصبح الرأي الجماهيري يدار ويقاد ببعض الفاشنستات!، وما يحتاج أقول، وأنتم خابرين، رقي الرأي عند بعض الفاشنستات، ومهرجي وسائل التواصل الاجتماعي!.

الأعزاء وزارة الإعلام.. احموا الصحفيين وادعموهم، فهم في الأخير أبناء الوزارة، حتى لو لم يكونوا موظفيها.

لماذا لا يُفعل أن أي قضية تختص بالإعلاميين، سواء منشورة في الإعلام التقليدي أو وسائل التواصل، ما دامت تتعلق بالإعلام، يجب أن تمر بلجنة المخالفات الصحفية، وهي تحدد إذا كانت قضية إعلامية، وستنظر فيها، أو ممكن أن تحوّلها للجهات القضائية الأخرى؟!، بدل ما البعض يحاول يلف على الجهات القضائية دون المرور على الإعلام بحجج مختلفة.

لماذا لا تُعلم وتؤكد الوزارة على بقية القطاعات والمسؤولين أن الصحفي والإعلامي السعودي ليس الجدار القصير حتى تلاحقه بعض الأقسام القانونية لمجرد ذكره الواقع؟!.

لماذا لا تتعاون وزارة الإعلام مع هيئة مكافحة الفساد في التبليغ عن وملاحقة بعض الجهات التي تستهلك موارد حكومية، ومجهود موظفي الدوائر القانونية في ملاحقة منتقدي بعض المسؤولين؟ّ.

وفي الأخير.. هذه ليست إدارة شخصية لبعض المسؤولين، بل هي موارد الدولة.

لماذا لا تدعم الوزارة الإعلاميين والصحفيين من خلال إنشاء مراكز فكر (ثنك تانك)، لاستقطابهم وتشغيلهم، أو مراكز دراسات، لتطوير الإعلام السعودي المحلي، وأيضا الخارجي، بدل ما يتمرمط بعض الإعلاميين على أبواب بعض الجهات، وتوصد أمامهم الأبواب، إلا إذا كان متملقا أو ذا علاقات شللية. ادعموا الموهبة والموضوعية والصراحة في الإعلاميين على العلاقات والتوصيات.

سمو سيدي ولي العهد أشار بوضوح في لقائه الأخير: «أعتقد أن الإعلام السعودي يجب أن ينتقد عمل وخطط الحكومة، أيا كان، لأن ذلك أمر جيد».

آن الأوان أن نُفعل توجيهات سمو الأمير محمد بن سلمان.