مع كل رمضان ينشط التسول، ويخرج المتسولون وكأنهم جراد مبثوث، وبأشكال متجددة للاستعطاف، فتجد منهم من يحمل طفلا ومنهم من يحمل معاقا، ولا يلتفت لآدمية ذلك الطفل أو المعاق أو بشريته «ما دام يجيب فلوس». وظهرت هذه الأيام حملات أمنية لملاحقة المتسولين، فهل هذا حسد مثلا من الجهات الأمنية وقطع للأرزاق أم هناك أمور لا نعرفها !!.

أتذكر أنه كان هناك أستاذ (عضو في الإنتربول الدولي) يلقي علينا محاضرات في إحدى القطاعات المالية، وكان يسأل المتدربين عن النسبة التي يحصل عليها من يتم الاتجار به في جرائم الاتجار بالبشر من المبلغ الذي يتحصل عليه، فكان من يريد المبالغة في الرقم يقول بأنه يحصل على ثلثي المبلغ وثلثه يذهب لمن تاجر به، وكانت المفاجأة أنه لا يحصل على ما يزيد عن %5 من المبلغ وبقية المبلغ يذهب للعصابة التي توفر له كل ما يزيد من نشاط تلك التجارة.

فمثلا في المناطق التي تنتشر فيها «تجارة البشر» تجد أن هناك أيد خفية تؤمن المكان، وتظهر في حال حاولت إحدى الحالات الهروب، ويتم المحافظة على تلك المنطقة من دخول المنافسين «عصابات أخرى»، ولها عملاء في عدة دول، وهذا كله يتم تشغيله والإنفاق عليه من المبالغ التي يتم تحصيلها .

هنا ليس الأمر بعيدا عن هذه الصورة، فكيف يأتي طفل من دولة مجاورة لم يبلغ العاشرة من عمره بعد، ولا يستطيع حتى أن يقرأ أو يكتب، وتجده قد وصل قلب العاصمة الرياض، ووصل إلى أكثر الأماكن إدرارا للأموال، ويعرف كيف يجلس بقرب أجهزة الصراف الآلي، والمطاعم وغيرها من التي تعرف بأنها مناطق جناية عالية لأموال المتصدقين، فكيف سيكون هذا المتسول هنا لو لم يكن هناك من يدرس كل تلك التفاصيل بعناية.

ومن ثم يتم تشغيل ذلك الطفل وتوفير مكان له للاختفاء بعد تحصيل مبلغ محدد من المال، حتى أتذكر محادثتي مع أحد الأطفال عن طريقة دخوله للمملكة، فقال إنه يعرف «المهرب» وأنه سيعطيه قيمة التهريب بعد أن يجمعها ليخرج به.

ما أريد قوله إننا مشاركون في تجارة الاتجار بالبشر والزج بهم في أيدي عصابات تقطع الأيدي وتفقأ العيون، وتمارس جميع أنواع الاستغلال لزيادة دخلها، ونظن أننا نحسن صنعا، فإن توقفنا عن ذلك وتعلمنا كيف ننفق صدقاتنا على من لا يستغل بشرا، فسيأتي يوم وننقذ طفلا وامرأة من الاستغلال، وسنتوقف عن دعم أيد خفية قد تكون عدوة لنا، وإن رأيت ذلك المتسول جائعا أو يرتجف من البرد، فليس من الأمان له أن تضع في جيبه أموالا، بل وفر له الأكل والملبس الدافئ ومن ثم يمكنك إبلاغ الجهات الأمنية، وهنا أنقذت روحا من العذاب، وحافظت على أرواح أخرى، وعليك أن تسأل نفسك سؤالا في كل مرة تتصدق فيها (هل تصدقت عليه أم دفعته للهلاك).