استحضر عدد من المقيمين العرب في المملكة مع أيام وليالي شهر رمضان المبارك، تلك العادات والتقاليد التي تسود في بلدانهم والتي عاشوها بأنفسهم هناك خلال الشهر الفضيل، مشددين على أن لرمضان روحانيته الخاصة، وأنه يأتي دائما محفوفا بمشاعر الفرح، مؤكدين على الاستعداد لهذا الشهر بما يليق، وعبر جملة من التجهيزات المبكرة، على الرغم من اتفاقهم جميعا على أن للصوم في السعودية روحانية خاصة وجميلة، لا تشعرهم مطلقا بالغربة، وأن قربهم وقدرتهم على الوصول الآمن والسهل واليسير إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، إضافة إلى لطف الشعب السعودي وحبه لأشقائه العرب يشعرهم بالغبطة، كما يشددون على ذاك المشهد الجميل الذي ينتشر في معظم مدن المملكة، والذي يتمثل بموائد الإفطار الجماعي التي تشعرهم بحب إنسان هذا البلد للخير.

إضاءة المصابيح

أوضح عثمان سالم محمد، وهو طبيب سوداني لـ«الوطن» أنهم لا يشعرون بالغربة في المملكة، فهم يعيشون وسط شعب مضيف طيب له عاداته التي لا تختلف كثيرا عن تلك السائدة في السودان، ويقول «لأهل السودان عادات وتقاليد جميلة بمناسبة شهر رمضان، فهم يحتفلون بقرب قدومه قبل مجيئه بفترة طويلة، وتنبعث من المنازل السودانية رائحة جميلة وهي رائحة الحلو مر والأبري وهي المشروبات والأطباق التي يتميز بها السودان ويتم تحضيرها قبل رمضان استعدادًا له.

وفي أول ليلة من إعلان وظهور الهلال يبدأ الأطفال بأناشيد محلية مع ضرب الدفوف والطبول، وتبدأ المساجد بإضاءة المصابيح الملونة على المآذن والأسوار، وتظل الأضواء مضاءة طوال ليالي رمضان، وتتلألأ الشوارع بالزينة والأنوار لتجلب البهجة في النفوس».

روحانيات خاصة

أشار الدكتور عثمان سالم محمد إلى أن «صلاة التراويح دائما ما تكون لها روحانيات خاصة في السودان، حيث تزدحم المساجد بالمصلين من الرجال والنساء والشباب والأطفال في مشهد جميل وجو مبهج، كما يحرص أهل السودان خلال هذا الشهر الكريم على الإفطار الجماعي حيث تكتظ الشوارع والساحات العامة بالناس قبل الإفطار، وتأتي كل عائلة بطعام إفطارها جاهزًا، وعندما يؤذن المغرب يبدأ الجميع في تناول الطعام معًا».

وبين أن «هناك أكلات شعبية يحرص السودانيون على تناولها في الإفطار، ومن أشهر الوجبات السودانية العصيدة، والقراصة والكسرة وغيرها من الأكل المحلي، وبعدها يشربون الحلو مر أو الأبري وهو عبارة عن ذرة تنقع بالماء حتى تنبت جذورها ثم تعرض لأشعة الشمس حتى تجف ثم تطحن مع البهارات وتعجن وتوضع على هيئة طبقات في الفرن حتى تنضج، ويقوم الناس بنقعها في الماء فترة حتى يصبح لونها أحمر ويفطر عليها الصائمون، وبعدها يحتسي الصائمون الشاي والقهوة، وتعد المشروبات الرمضانية المفضلة رائجة جدا لدى السودانيين».

دوار العائلة

يكشف إبراهيم أحمد إبراهيم وهو صيدلي مصري لـ«الوطن» أن العادات الرمضانية في صعيد مصر تمتاز بخصوصيتها، وقال «الحمد لله االذي أكرمني بأن أكون فردا من عائلة كبيرة، ولدينا «دوار» نجتمع فيه كعائلة، وكل ليلة يكون الإفطار على إحدى العائلات وهكذا دواليك خلال الشهر، ثم بعد ذلك تكون هناك حفلة وشرب الشاي وقراءة القرآن والأناشيد ومسابقات منوعة، وهكذا تتنوع الفعاليات بوجود الجميع أطفالا وكبار السن في لمّة مميزة خلال ليالي رمضان، كما تنتشر الزينات في المنازل والمحلات والمساجد، وتبتهج شوارع مصر كلها في هذا الشهر الفضيل».

المسحر وطبلته

يتذكر أحمد المحمود وهو طبيب سوري عاداتهم في سورية خلال الشهر الفضيل، ويؤكد على أن لرمضان سحره في كل مكان، ويقول «يسود التسامح في رمضان، فترى كثيرين مفعمون بالحبور والسرور خلاله».

ويضيف «لليالي رمضان سحرها الخاص أيضا، حيث يطول فيها السهر أحيانا أكثر من المعتاد، وغالبا ما كانت المدن والقرى الكبيرة تستيقظ للسحور على صوت ضربات طبلة المسحر الذي يطوف على البيوت بصوته العالي والجميل يذكر الناس بتوحيد الله ويوقظهم إلى سحورهم، وكثيرا ما كان يعرف أصحاب البيوت فلا يكتفي فقط بقرع طبلته بل يطرق الأبواب مناديا «السحور يا أبا فلان..» وهكذا يتنقل من باب إلى باب خلال طوافه بين الشوارع للقيام بمهمته».

ويكمل «للدقائق الأخيرة قبل الإفطار أيضا ذكراها الجميلة، حيث ينطلق الفتية الصغار حاملا كل منهم طبقا مما طبخته العائلة أو جهزته العائلة للإفطار ليقدمه للجيران القريبين ويعود ليقوم برحلة جديدة نحو جار جديد، ويتم التبادل بين الأسر حتى أنك تجد على المائدة الواحدة أطباقا من كل ما طبخ في البيوت في ذلك اليوم».

موائد الخير

لا تبدو الأجواء الرمضانية في المملكة بعيدة بدورها عن تلك التي تعيشها بقية دول العرب، وتبقى موائد إفطار الصائم الجماعية واحدة من العلامات المميزة لرمضان في المملكة، فمع السماح بعودتها بعد توقف خلال العامين الماضيين بسبب جائحة كورونا، عادت تلك الموائد لتأخذ حيزها الواسع من المشهد الرمضاني، ففي محافظة الدرب التابعة لجازان مثلا، ينظم شباب جامع الغيناء وبالتعاون مع أهالي الحي سفرة رمضانية لإفطار الصائمين المقيمين، وذلك في ساحة الجامع، وتهدف إلى بث روح الأخوة والمحبة وتحقيق معنى الجسد الواحد، بإشراف مباشر من إمام ومؤذن الجامع، وأوضح مهدي فقيه وهو أحد المشرفين على المائدة أنهم يحرصون كل عام على إقامة هذه السفرة للمقيمين من مختلف جنسيات العالم، عملًا بقول النبي عليه صلى الله عليه وسلم «من فطّر صائما كان له مثل أجره» وتأتي هذه المبادرة بتكاتف وبدعم من الجميع وأهالي الحي جزاهم الله خيرا.