حتى سفر الإفطار في الشهر الفضيل لم تنجُ من هواة التصوير والنشر عبر وسائل التواصل لتلحق سابقاتها التي شملت كل تفاصيل حيوات المشاهير على وجه الخصوص.

وفي هذا الشهر تحديدًا، حيث يفترض بالقادرين ماديًا أن يستشعروا الجوع وأن يدركوا أحاسيس الفقراء، دأب مشاهير عدة على تصوير سفر إفطارهم التي تحفل بكل ما لذ وطاب، ونشرها على الملأ، متجاهلين ما يسببه هذا لغير القادرين، ومتغافلين عما يسببه من مشأكل أسرية بين من يتابعون وسائل التواصل، ومطالبة بعض أفراد أسرهم بتقليد هؤلاء المشاهير حتى في مأكلهم ومشربهم، وهو ما قد يفوق إمكانيات رب الأسرة.

وإزاء هذا الحال، اقترح قانوني على جمعيات حفظ النعمة أن ترفع مقترحًا يجرّم التباهي والإسراف والتبذير بالنعم، ويعرّض ممارسيه إلى العقوبات.

مقدار الوعي

يرى القاص جمعان الكرت أنه «مع انتشار اقتناء الأجهزة الذكية وتوفر الخدمات الإلكترونية وكثرة تطبيقات التواصل الاجتماعي، أضحى كل فرد وسيلة إعلام متحركة، يصور ويبث ويتفاعل، ليس على المستوى المحلي بل حتى على مستوى العالم، وكلما تطورت وسائل التقنية كلما تسارعت عمليات الاتصال والتواصل، وهنا يتمايز الأفراد في طريقة التعامل مع الأجهزة الذكية بحسب مقدار الوعي ومستوى الثقافة ومراعاة الجوانب الاجتماعية، إلا أنه في الآونة الأخيرة تفشت ظاهرة غريبة تتمثل في المسارعة إلى تصوير موائد الإفطار العامرة بما لذ وطاب من أوان فاخرة، ونشرها للجميع كي يشاهدونها تفاخرًا وتباهيًا، بل وحتى إغاضة أحيانًا وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة أو تقليدًا للآخرين، ويزداد التنافس بين هؤلاء لكشف ما في المنزل من صالات وغرف وأساور وساعات وغيرها». ويكمل «كل تلك السلوكيات المقصودة أو غير المقصودة تخلق مشكلات للأسر التي لا تستطيع مجاراة المتباهين المتفاخرين، والتي تنزلق إلى محاولة التقليد بالشراء بصرف النظر عن مقدار الدخل الأسري انطلاقا من مفهوم (ما فيه أحد أحسن من أحد)، ولا تتوقف الأمور عند هذا الحد بل تتشكل مفاهيم غير جيدة في أذهان من هم في خارج الوطن عن كوننا مجتمع مبذر مفاخر متباه، مما يتطلب رفع درجات الوعي المجتمعي بأن المبالغة في إظهار الموجودات في المنزل لا تدل على سمو الأخلاق بل هي رسالة زائفة وتلميع سطحي وأسلوب غير مرغوب فيه».

مسلك خطير

يذكر رئيس جمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في محافظة العقيق الشيخ علي مشرع أن الإسراف والتبذير، مسلك خطير، وداء مهلك، ومرض يُنبت أخلاقًا سيئة، ويهدم بيوتًا عامرة، وقال «جاء التحذير من الإسراف والتبذير في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال سبحانه ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾، وقال عليه الصلاة والسلام (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ)، وما نراه اليوم في ولائم الإفطار وغيرها من تجاوز الحد في الإنفاق والبذخ، والكبر والتفاخر بالموائد والأطعمة يوضح مدى ما يعانيه المجتمع، من غفلة عن المنهج الرباني، الذي أمر بالتوسط وعدم الإسراف، كما في قوله سبحانه ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.

وحذر من كفران نعمة الطعام والتبذير فيه، وقال «علينا أن نقتصد في ولائمنا، وأن نتفكر في أحوال من حولنا من الدول والشعوب ممن مسهم الجوع والظمأ، وهم في ما هم فيه من حصار وحروب ودمار، حتى أصبحوا لا يتمنون فائض أطعمتنا ولا باردها، ولا ما يسقط على سفرنا أثناء أكلنا، بل أصبحوا يتمنون حتى الخبز الذي مكث لأسابيع فعلاه العفن».

سلبيات كثيرة

أوضح المستشار القانوني عارف العضيلة أن «التباهي بالنعم سلوك مذموم وغير مقبول في المجتمع، وله سلبيات كثيرة لها أضرارها على المجتمع ككل، أهمها عدم تقدير نعمة الله تعالى، وإظهار الكبر والغرور والتبذير بأجنعم الله تعالى، إضافة إلى جرح مشاعر».

وتابع «يستحق هؤلاء عقوبة نظاميةً من جراء هذا السلوك المضر للمجتمع، فيستطيع القضاء إصدار عقوبات تعزيرية ضد هؤلاء، ومع انتشار وتعدد جمعيات حفظ النعمه فنقترح أن ترفع مقترحًا لولي الأمر لإصدار نظام يجرم التباهي والإسراف بالنعم، علمًا أن هناك دولًا شرّعت تجريم أي سلوك يؤدي إلى الإسراف والتبذير في النعم».