معلوم أن الأمن ضرورة من الضروريات، إذ لا يعيش الإنسان بطمأنينة بدون أمن، ولا يعبد ربه بطمأنينة بدون أمن، فالأمن كالهواء لا يستغني عنه أحد، فالصلاة على سبيل المثال وهي عمود الإسلام، شرع الله لها في حال الخوف صفة تختلف عن صفتها حال الأمن، كما في قوله تعالى (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ).

بينما في حال الاستقرار والطمأنينة تقام الصلاة بكامل صفتها المفروضة كما قال تعالى(فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)، ولهذا فإن كل مايعكّر صفو الأمن - وإن قَلَّ - خطير جدًا، ولا ريب أن التهييج والإثارة والانضمام للجماعات والتحزبات والتيارات تُعكّر صفو الأمن، وتخرق السفينة، لأنها انشقاق عن جماعة المسلمين وإمامهم، وهذا أحد الأسس التي تحصل بها الفتن.

ومن اعتنق هذه الأحزاب الضالة ثم تركها، فليلزم العافية، ويلصق إلى الأرض، لئلا يطير في العجة، وليتعلم العقيدة الصحيحة، ليكون كغيره من المسلمين الذين لا ينازعون الأمر أهله، ولا يحدثون الصخب والضجيج، وإنما يتمسكون بالوصية النبوية وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم).

إن الحركي السابق أو المفحط السابق أو المدمن السابق ليسوا نجومًا يستحقون المتابعة والظهور الإعلامي، بل هم خاطئون بحاجة إلى التوبة والاستقامة.

ولو كانوا في ظهورهم يقولون نحن أخطأنا ونستغفر الله ونتوب إليه، ونحذر غيرنا من هذا المسلك الذي سلكناه، ولا يزيدون على ذلك لكان متفهما، لكنهم مع الأسف يتحولون إلى منظرين ومحللين ومفكرين وعلماء، وهنا مكمن الخطورة.

وفي حرب الخليج رأينا دعاة ضلالة شقوا عصا الطاعة، وأحدثوا الشبهات، فتصدى لهم العلماء الراسخون فكشفوا شبهاتهم، وأدبهم ولي الأمر بالتعزير الشرعي الذي قرره القضاة، وكادت تنتهي فتنتهم لو تُركوا ولم يُستقطَبوا، لكن طائفة من أهل الإعلام لمّعوهم وأظهروهم في قنواتهم الفضائية باسم «التنوير» و«الاعتدال» و«الوسطية»، و«سعة الأفق»، و«الحياة كلمة» ولكونهم أهل تجارب ومراجعات تفيد المجتمع بزعمهم، فما النتيجة؟

النتيجة: بقاء ما كان على ما كان وربما أسوأ مما كان، واليوم يتكرر المشهد مع بعض أتباعهم، ولم يأخذ بعض الإعلاميين العبرة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

وليس هذا إساءة ظن بكل ضال سابق، حاشا وكلا، فباب التوبة مفتوح، والله يقبل توبة التائبين، وكل مسلم يفرح بتوبة الضالين، ولكن التائب بصدق، يقلع عن الذنب، ويندم على فعله، ويعزم على ألا يعود إليه، ويلزم جماعة المسلمين وإمامهم، لا أن يتصدر الإعلام، وتكون أطروحاته من النقيض إلى النقيض، مناكفا للشريعة، ومزايدًا على تدين ووطنية الناس، الذين لم يشاركوه في ضلاله السابق.

إن تارك تلك الحزبيات سواء تركها لضررها، أو تركها لأنهم لم يعطوه نصيبه من الظهور والمكانة، أو لأي سبب، فإنه لا يصح في نظري أن يُصَّدروا للإعلام، ولا يُمكنوا مالم يتم التأكد من سلامة توجهاتهم.

وعندما ننظر في سيرة الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، نجد أنه لم يُمكن من انحرف ثم زعم أنه رجع واستقام، بل قبل رجوعهم، ولكن لم يُمَكِّنهم، وإنما جعلهم يتبعون أذناب الإبل، وقال لهم قولته المشهورة ( تَتْبَعُونَ أذْنَابَ الإبِلِ، حتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمُهَاجِرِينَ أمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ به).