المرأة الحلم.. أمر ضروري في سـمـو حـيـاتنا، وطبيعة بيولوجية يحكمها قانون الحياة.. إننا لا نستطيع الاستغناء عنه، ولن يحدث ذلك أبداً، إذ حدث كان معناه كـسـر قـانون الحياة.

عندمـا يـتـشـوه ذلك الحلم.. حيث تحب امرأة لسر لست تعلمه، وتغني مسراتك ونمنمات خواطرك بمعنى السعي وراء اكتشاف غوامضها، ثم لا تلبث أن تلمس فيها شيئاً جديداً لا يعجبك.. بـل يـدعـوك لأن تقف طويلاً، وتعود إلى الخلف مدعياً أنها لم تعد تصلح لك.

ذلك يعني البحث عن مرادف آخر، اسمه المرأة الحلم.. وهكذا.

من المؤسف أننا بتشوهاتنا الاجـتـمـاعـيـة وترسباتنا التي لا يمكننا بسهولة نزعها من صدورنا..

نظل ننظر إلى الأمر نظرة عنصرية، وفي ذات الحال: مصدر لذة شعـور، أو غريزة، أو أي شيء آخر، وبمقتنص وراثي تربوي اسمه «الامتلاك».

فوق كل هذا - مثلما يحدث في واقعنا – فإننا نرتج عليها الأبواب، ونمنع عنها الهواء باسم المحافظة والغيرة ثم نبـقى نتغزل بها.. أعني بذلك السراب الذي لا يمكن له أن يطفئ ظمأ الظامئ إذ ظمئ. شيء آخـر أريد أن أتحـدث عنه.. ذلك هو: نـوعـيـة التشكل الوجداني، الذي تقـوم عـلـيـه منـطـلقـات العـلاقـة بالمرأة.

فذاك الصبي لا يلبث أن يصبح رجلاً، وتتحدد فقرات المفـهـوم النزقي الحالم لها، وتصبح الأشياء تأخذ شكلاً جديداً، غرزة محفوفة بالجمال والأمل والسعادة الدفينة.

تلك السعادة الحلم، وهنا أتذكر مقولة الكاتب النمسوي الشاب «كافكا» «لا أكون واثقاً مـبـدعـاً شجاعاً.. إلا حين أكـون وحـيـداً، آه لو أستطيع ذلك أمام الناس بفضل امرأة».

نعم.. إنه يراها حلمه الجميل والقوي، ومعبره الناجح الواثق للوصول إلى الآخرين، الوصول الشجاع الذي يمثله بحقيقته وصفائه ورونق إبداعاته.

غير أنه لو وجد حلمه ذاك، الذي تـوهـم كـل مـكـتـسـبـات أمـانـيـه، وطـاقـاته الإبـداعـيـة والإنسانية..

لو وجده بالصورة المرضية.. فإنه لاريب لن يعيش حلمـه وأمنيـتـه الجـمـيلة، وسـتـصـبـح طمـوحـاته الإبداعية، وقواه الواثقة تلك تنكسر عند حدود اكـتـشـافـه لها، وسـيغـدو كـثـيـر من القرى الخـضـراء المزهرة بلون بنفسجي واحد، لا يلبث أن يتجول إلى الجوهر الغربي.

الصعود إلى لذة الحلم المطاردة بالأماني. ليس من الحق في القانون الطبيعي للحياة أن يبقى متغرباً، وليس هناك معجزة غامضة اسمها «المرأة» هناك وهم ربما كان ضرورياً للاستمرار، والبحث، لقطع مسيرة الإبداع الحقيقي، المغلف بالحلم والمتعة.

كذلك كنت أجعلها.. وأنتظر قدومها من الأشجار والجبال والصحارى، ومن الشوارع ومن ريشة الرسم، وحبر القلم، من كل شيء. وعـنـدمـا تبـلـغ فـتـافـيت الزمـن نـهـايـة الانتظار، فإن الحالة المؤطرة بجفاف الانتظار، تتحول إلى عدوانية خفية ناقـمـة على كـل تـقـلـيـديـات الـواقـع، وبراويز الإخـفـاء المعتمة.

لنقل مثلا أن تلك الرغبة المبهمة أخذت صورة الحبيبة للوطن، وراحت كـالـسـفـر فـي حـدائق الإبداع.

إننا حينها سنجد إبداعنا يتزين – كما نرى - بصنوف زاهية من الألم والطموح والمباغتات المستجدة. فمن الدوافع المختفية الجميلة في سيران الإبداع هو وجـود ذلك الحلم السرابي الملون.

إنك حين تـهـتـم بحـلاقـة ذقنك - مثلاً - وباخـتـيـار ربطة عنقك بعناية، وتحـاول إصلاح بعض تفاصيل عاداتك، التي لا ترضي عنها، أو تريد أن تبدو بها بصورة أكثر إرضاء.. في وقت سترى فيه امرأة، لها بخاطرك مقام، فهذا يعني أنك ستقابل شخصاً يهـمك فـي قـرارة ذاتك؛ إلى حـدود أنك رحت تتـصـابی وتعدل من عادات مظهرك.. لماذا؟

لأنك ترغب في حقن وجـدانك بحلم عـذب تـتـصـوره، ترى أنك تحـقـق عـذوبة وإرضـاء ذاتك من خلال مـا يمكن إظهاره في هيئتك. القضية – هنا ليست قضية عابرة، إنها تحتاج إلى نظر، إذ إن الحالة ذاتهـا مـوجـودة عند المرأة كذلك، وأراها بمقياس أعلى.

1991*

* روائي وكاتب سعودي «1955- 2000».