بمرور الزمن أصبحت لدينا في المملكة لغة سائدة، تنتقد الشدة التي تمارسها وزارة المالية على الجهات الحكومية، تجدها في المقالات، وفي الكتب الذاتية التي يصدرها أصحابها بعد مغادرتهم مناصبهم. يتحدثون عن دور الوزارة الشديد في تحفظاتها على ما يقدمونه من رغبتهم في التمويلات التي يطلبونها لتنفيذ المشاريع والبرامج لجهاتهم التي يعملون فيها.

قد تكون لهم وجهة نظر نوعًا ما إذا ما أخذنا بالاعتبار النظرة التي كانت تنظر بها الوزارة سابقًا إلى الوزارات الأخرى، حيث ترى أنها هي الجهة المنوط بها المحافظة على المال العام، وصونه من أي تبذير أو تبديد.

في مقابلة ولي العهد مع المديفر، تطرق -نوعًا- ما إلى هذا الأمر، وقال إن وزارة المالية اليوم سوف تتحول من معد للميزانية إلى ممثل للخزينة العامة فقط، بحيث إن إعداد الميزانيات سوف يكون للجنة المالية التابعة لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية، والمعني كذلك بمراقبة السياسات المالية ومواءمتها نحو الشكل الأمثل.

ولذلك فإني أود أن أقول إن هذا الأمر أتاح لوزارة المالية التقاط الأنفاس، وأتاح لها مجالا لعمل عظيم، بدأت بوادره تظهر للعيان، وأعني بذلك نشر الثقافة المالية المتزنة عبر اللقاءات والمنتديات، وكذلك تطوير المهارات والقدرات البشرية في الجهات الحكومية كافة، والذين ترى فيهم شركاءها الحقيقيين في رفع كفاءة أداء القطاع المالي الحكومي.

فعبر إحدى مبادرات الوزارة الضخمة، أنشأت مركزًا سمته «مركز المهارات المالية»، هدفت منه إلى تطوير مهارات موظفي القطاع بصفة متجددة، ليساهموا في عمل مستدام ومخطط بشكل متوسط المدى، وكذلك تهدف إلى أن يكون هؤلاء الموظفين هم الأشخاص الذين يحملون المعرفة المالية، والمهارات التخطيطية الداعمة لإستراتيجيات الوزارة في وزاراتهم، مما يمكنهم من سد الفجوات الموجودة حاليًا في عمليات صنع القرارات الحكومية في الوزارات والجهات كافة.

لذلك يمكنني القول إننا نرى اليوم الوجه الآخر لوزارة المالية، والذي هو عبارة عن كونها شريكًا أمثل للجهة الحكومية، وذلك عبر تقديمها للمعرفة والمهارة لموظفي الجهة الماليين والإداريين العاملين في هذا الجانب.

وأظن أنه بمرور الوقت سيصبح لدينا كفاءات كبيرة تنظر إلى الوزارة بأنها الجهة الأم التي تسعى دائمًا إلى رفع كفاءة العاملين في الجوانب المالية، مما يوصلنا الى رفع جودة المخرجات النهائية لقطاعات الدولة، وبذلك ستتغير النظرة القديمة القائمة على الشك والريبة والخوف من ممثلي الوزارة وموظفيها وقادتها، إلى النظرة الإيجابية القائمة على التكامل والتفهم والقناعة.