هل التغييرات في اللهجة والسلوك من إدارة بايدن تجاه السعودية هي عملية براغماتية مؤقتة فرضتها الظروف الدولية، أم أن هناك تغييرا في العقلية الديمقراطية تجاه المملكة وإرجاع الشراكة السعودية الأمريكية لسابق عهدها؟!

للإجابة عن هذا السؤال، تحتاج مراجعة آراء العديد من المفكرين الأمريكيين والذين يعرفون بواطن الأمور في واشنطن أو يعرفون كيف تفكر الإدارة الأمريكية الحالية ويجب السماع من الجهتين من الديمقراطيين والجمهوريين!

لا شك أن هناك تغييرا واضحا في لهجة الإدارة الأمريكية، وأيضا تغييرا واضحا في لهجة الإعلام الليبرالي الأمريكي المحسوب على الديمقراطيين تجاه المملكة، وهذا يدل على أن الإعلام الأمريكي موجه بطريقة أو بأخرى، قد لا يكون بشكل مباشر لكن قد يكون بطرق أخرى غير مباشرة.

هناك أنباء عن زيارة لبايدن للمملكة خلال الأشهر القادمة، وهناك أنباء عن تعاون بين الطرفين، لا أعتقد أن الزيارة رغم أهميتها الصورية ستكون حيوية إن لم تكن مصحوبة بأمور ملموسة صلبة تعيد العلاقات السعودية الأمريكية إلى سابق عهدها، وكلنا يذكر أن أوباما زار المملكة عدة مرات، وفي الوقت نفسه كان يعمل جهده لمحاربة السعودية والخليج، وتقوية إيران والإخوان، إن لم يأت بايدن بتعهدات صلبة وتغييرا واضحا لدول الخليج فما فائدة الزيارات؟

لاحظنا من لهجة بعض المحللين الديمقراطيين أنهم يقولون إن هذه الاستدارة من إدارة بايدن باتجاه الخليج هي استدارة براغماتية بسبب الظروف الدولية والحرب في أوكرانيا والعلاقات النامية جدا بين الصين والخليج، وأنهم يحتاجون الخليج في الظروف الدولية الحالية بشكل مؤقت من أجل أمن الطاقة وأسعارها وأيضا من أجل الانتخابات النصفية على الأبواب، وأيضا لكبح الزخم الحالي المتطور بين الخليج والصين، وإن هذا لن يغير من الإستراتيجية والعقيدة الديمقراطية على المدى الطويل، وقد يكون كلام هؤلاء الباحثين صحيحا أو يكون مجرد حفظ لماء الوجه لأن العديد من الديمقراطيين أزبدوا وأرعدوا اتجاه المملكة ولا يريدون أن يظهروا بموقف المتغير كليا الذي بلع كل ترهاته وعنترياته!

بينما المحللون الجمهوريون من الجهة الأخرى يقولون إن هذه استدارة من أجل الانتخابات النصفية وأسعار الوقود، وإن هذا محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد الأداء السيء للإدارة الإمريكية خلال الفترة الماضية، خصوصا أن دول الخليج أظهرت أنها أكبر وأهم من تجاوزها أو تجاهلها في ما يخص الشؤون الدولية وشؤون الشرق الأوسط.

المحللون الوسطيون يقولون إن هذه الإدارة أدركت حجم الضرر الذي حل بعدم التعاون مع الخليج، وكيف أن الصين وروسيا أخذتا المبادرة وأصبحتا شريكين، لكن يقولون بالمقابل من الصعب تغيير عقلية إدارة بايدن الحالية لأن هناك عقليات من خلف الستار لها نفوذ ولديها أجندة معينة، ويضربون المثل بإسرائيل حبيبة قلب أمريكا التي رغم العشق بينهما فإن أمريكا ضحت ببعض الود من أجل صفقة مع إيران، ويقولون إذا كان التعامل هكذا مع إسرائيل فما بالك بالخليج، والبعض يشكك بحجم الصفقة الكبرى بين أمريكا والخليج كما يروج بعض الإعلام.

لا شك أن مصالح أمريكا حاليا وأوروبا مع الخليج، ولا تقارن أبدا بمصالحها مع إيران أو غيرها لكن الأجندة الخفية والأيديولوجيا اليسارية لها طرقها الخاصة التي قد تتعارض مع المصالح الكبرى لأمريكا، الشراكة الأمريكية الخليجية مهمة جدا للطرفين لكن تحتاج يدين لتمسكا ببعضهما البعض لتقوى وليست يدا واحدة ممدودة، ولا تقارن علاقة الخليج مع أمريكا مع أي قوى أخرى في العالم، لكن المهم أن تسعى دول الخليج لأن لا تكون علاقتها مع أمريكا على حساب علاقتها مع الصين، فالصين شريك لا بد منه، ولا أحد في العالم يريد أن يضحي بصديق ثابت نسبياً مثل الصين من أجل شريك متقلب مثل أمريكا، لكن التوزان في العلاقات مع الجانبين هو المطلوب.