جودة بيئة العمل لها أهمية كبرى في الاقتصاد الوطني، حيث تعتمد على عدد من المؤثرات، وتحتاج لعدد من المقومات التي ترفع من معنويات وإنتاجية الموارد البشرية، وبالتالي تحقيق الأهداف المرجوة من كل عمل بأعلى كفاءة ممكنة.

التعامل الإنساني في بيئة العمل أو العلاقات الإنسانية من أهم المقومات التي لها تأثير كبير على إنتاجية الأفراد وأداء الموظفين، فحسب الباحث Siagian هي: السلسلة الشاملة من العلاقات الرسمية بين الرؤساء والمرؤوسين في مختلف المستويات، و حتى العلاقة بين الموارد البشرية للمؤسسة والأطراف الخارجية (مثل العملاء والموردين)، وكذلك المرؤوسين مع المرؤوسين الآخرين، و التي يجب تعزيزها بطريقة تؤدي إلى بناء علاقة وطيدة و عمل جماعي متناغم من أجل تحقيق الأهداف، حيث يفترض أن يعمل القائد على توفير جو يجعل الموظفين يشعرون بأن الأهداف المراد تحقيقها هي أهداف مشتركة لكل الفاعلين في المؤسسة، وبالتالي يجب أن تقوم كل منظمة بإدارة أنشطة العلاقات الإنسانية بشكل جيد من خلال تحويلها إلى سياسة تنظيمية.

حسب عدد من الدراسات، تؤدي العلاقات الإنسانية الجيدة بين الموظفين فيما بينهم ومع رؤسائهم إلى زيادة الإنتاجية والأداء في العمل والولاء الوظيفي، لذا فإن تحقيقها يعد أحد شروط نجاح المؤسسة بأكملها، ومن أجل تحقيق تعامل إنساني جيد ومحترم يجب ضمان جملة من الضوابط داخل المؤسسة ابتداء من الرئيس وصولا لأبسط مرؤوس فيها، ترتكز على دمج الأشخاص في حالة عمل وتحفيزهم على العمل معا بشكل منتج وتعاوني بِرضا اقتصادي ونفسي واجتماعي، و العمل على استشارتهم حول تغييرات العمل وعدم إخضاعهم للقيود التقليدية المفروضة من المديرين التي تقوم على تتبعهم وتقنين قدراتهم مما يؤدي إلى حملهم على الشعور بالتحفيز و الفخر والانتماء الجماعي للمؤسسة، وهو ما ينعكس إيجابا على أدائهم، كما أن تفعيل دور الأفراد في حل النزاعات سلمياً بينهم وقيام، الرؤساء بتسيير وتخفيف تلك النزاعات التي تنشأ بين الموظفين في إطار العمل، يحدان من الحساسية والانفعالات بين الموظفين خلال فترات العمل.

يخضع التعامل الإنساني في المؤسسات والمنظمات لعدد من المتغيرات التي تجعل العلاقات الإنسانية بين الموظفين متوترة، مثل ترقية أحد الأفراد ليصبح رئيسا لزملائه، أو التحاق فرد جديد يجلب معه مجموعة فريدة من المواهب والطموحات التي تحتاج وقتا لتنصهر ويتكيف مع بيئة العمل، أو تغيير سياسة العمل داخل المنظمة، كل هذه العوامل و غيرها تجعل من بيئة العمل و العلاقات الإنسانية داخلها غير مستقرة، لذا فإن أي مؤسسة تحتاج لضبط سياسة تنظيمية تحافظ على استقرار العلاقات بين الموظفين ومرؤوسيهم في أعلى مستوياتها، نظرا لكون الموارد البشرية من أبرز ما يجب أن تستثمر فيه المنظمة للحفاظ على قوامها وهياكلها.

إن تحقيق الرضا الوظيفي ورفاهية الموظفين والتقليل من النزاعات تعود بالدرجة الأولى إلى تحقيق أعلى مستويات التعامل الإنساني المبني على التفاهم والثقة والتعاون بين الموظفين مع زملائهم ومرؤوسيهم، والذي يؤدي إلى استقرار بيئة العمل وكيان المنظمة أو المؤسسة، كما أن العلاقات الجيدة في مكان العمل تسهّل تبادل الأفكار والمعلومات، وتمكن الموظفين من النظر في أفكار وآراء زملائهم وتقبلها، وهو ما يؤدي إلى ابتكار أفكار إبداعية مما يساعد المنظمة على مواجهة المنافسة بشكل فعّال، لذا فإن دراسة التعامل الإنساني في بيئة العمل تساعد على فهم أفضل لمواقف ومخاوف واحتياجات وتوقعات الموظفين، كما يساعد في دمج الأهداف الشخصية والإدارية والتنظيمية بشكل صحيح.