اقترحت -من خلال تجربة - على العديد من الأصدقاء والمهتمين بمسألة البناء والتأسيس الثقافي، أن يعيدوا قراءة مناهج التعليم العام السعودي من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الثالث الثانوي بكل مواده العلمية والنظرية، وفق برنامج قرائي وجدول زمني معين، حيث سيكون من السهل استيعابها وهضمها في أشهر بسيطة، على من تجاوزها، حيث إن العودة إلى قراءة تلك المناهج ستشكل أرضية صلبة لكل العلوم والمعارف التي ستأتي بعدها مهما اختلفت المسارات والتوجهات القرائية، فهي مناهج تم صياغتها وفقًا لأسس علمية وتربوية تم فيها مراعاة البناء المعرفي المتدرج، ناهيك عن تطويرها وتحديثها المستمر، وهي إلى ذلك تشكل نسبة كبيرة من أهم المعلومات التي نحتاجها في حياتنا اليومية العادية، وفي حواراتنا وكتاباتنا، ويأتي هذه المقترح من قناعتي الشخصية أن عمق الاطلاع، وجودة المعلومة في أحد فروع المعرفة مبني على اتساعها في الفروع الأخرى، وهي ما توفره مناهجنا التعليمة في شكلها الأخير، والتي تطورت تطورات هائلة تذكر فتشكر، بعد أن كانت فقيرة ومتقادمة ذات يوم.

الدكتور فهد العتيبي في مقاله على صدر صحيفة الرياض: (تطوير المناهج والتعليم، 30 مايو 2022)، وعطفًا على مقالة كتبتُها في جريدة الوطن بعنوان: (التعليم وتطوير المناهج، 24 مارس 2018)، وإشارة إلى خاتمة المقال: «من الضرورة بمكان، العمل على تطوير المناهج الدراسية، وتغييرها بما يناسب العصر، ووفقًا لمتطلبات المرحلة حضاريًا واقتصاديًا وسياسيًا، في التعليم العام والعالي وفي جميع التخصصات، لتكون ذات محتويات مهنية تعطي مخرجات يحتاجها سوق العمل في القطاعين العام والخاص، خاصة أن مستقبل الوطن، وفقًا للرؤية الحلم 2030، يراد له أن يتحول بالتدريج إلى جعل المملكة العربية السعودية مركزًا اقتصاديًا وماليًا عالميًا، وتعزيز مكانتها سياسيًا على المستوى الإقليمي والعالمي»، غير أن الدكتور فهد وبذكاء بارع استعار عنواني مع تغيير في ترتيب كلماته فبدلاً من رؤيتي: «أن التعليم يقود إلى تطوير المناهج»، رأى -وخير ما رأي- أن المناهج هي أحد المحركات الأساسية لتطوير التعليم، وأشار إلى أن وزارة التعليم منذ ثلاث سنوات ونصف تتخذ من تطوير المناهج نقطة انطلاق نحو تطوير التعليم، الأمر الذي جعلنا نجني ثمار هذه الإصلاحات، ليتوج طلابنا وطالباتنا باثنتين وعشرين جائزة في معرض: (آيسف الدولي 2022) راسمين وبوضوح ملامح مستقبل المملكة، وقال الدكتور فهد: (إن ما طالب به الأستاذ خالد في مقالته قد تحقق وفي فترة وجيزة ولله الحمد، مما جعل مناهجنا وهي بوابة تطوير التعليم تعبر مرحلة «التقدم والمقاومة»، إلى مرحلة «الانطلاق نحو المستقبل»).

أذكر هذين الأمرين، وأنا أقرأ إعلانًا، يعتبر واحدًا من هذه الانطلاقات التي أشار لها الدكتور فهد، وهو الإعلان عن الاختبارات الوطنية التي بدأت بالأمس الأحد 6 ذو القعدة 1443، ضمن برنامج التقويم الوطني للمدارس «نافس»، والذي تنفذه هيئة تقويم التعليم والتدريب، بالشراكة مع وزارة التعليم، حيث تمثل هذه الاختبارات أحد المسارات الرئيسة لهذا البرنامج، والتي ستطبق لتغطي جميع المدارس المتوسطة والابتدائية بالمملكة لتشمل ٢٠ ألف مدرسة بنين وبنات حول المملكة، وتستهدف عينة تبلغ 500 ألف طالب وطالبة تقريبًا، وتعد المرة الأولى في تاريخ التعليم السعودي التي تنفذ فيها هذه الاختبارات بهذا المستوى من التغطية والشمول، وسيكون ذلك إجراءً سنويًا ليحقق مجموعة من الأهداف، في مقدمتها قياس المخرجات، ومستوى التحصيل العلمي في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، كما تستهدف هذه الاختبارات توفير بيانات دقيقة لدعم صانعي القرار، في مسألة تطوير منظومة التعليم، وما تلامسه هذه المنظومة من جوانب أخرى، إضافة إلى أنها تشكل حافزًا مهما وغير مسبوق لتجويد العمل وإتقانه عبر إشاعة التنافس الإيجابي بين المدارس والمكاتب وإدارات التعليم، ومن أهم ما ستوفره «نافس» هو تغذية مؤشرات الأداء في برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج رؤية ٢٠٣٠، والمؤشرات التعليمية ذات العلاقة.

وهذه الاختبارات معدّة من قبل هيئة تقويم التعليم والتدريب وفْق أطُرٍ مرجعيَّةٍ مُعْتمَدةٍ، متوافقة مع مناهج التعليم العام المطبقة في المدارس الحكومية والخاصة، وستطبَّقُ على عينة من الطلبة في كل مدرسة بالإضافة لاستبانات للطلبة والمعلمين وأولياء الأمور، لتوفير بيانات موثوقةٍ حيال مستوى تحقيق الطلبة والمدارس ومكاتب وإدارات التعليم المستهدفات التعليمية المأمولة في مجالات وصفوف محدّدة، وتشتمل على استبانات مصاحبة مصمَّمةٍ؛ لتوفير معلوماتٍ حيال العوامل المؤثِّرة في نواتج التعلّم والتحصيل العلمي، والممارسات التعليمية؛ ولهذا فإن هذا البرنامج المتميز والرائع سيضمن - بإذن الله تعالى - على الأمد المتوسط إيجاد بيئة إيجابية للوصول إلى المواطن المنافس عالميًا؛ حيث سيسهم نشر نتائجه وبياناته عبر مؤشرات الأداء، ومنها مؤشر «ترتيب» في الهيئة، في خلق بيئة تعليم وتعلم متميزة، كما تقدّم نتائج هذه الاختبارات وصْفًا واقعيًّا لمستوى الأداء يقوم على فكرة التقويم للتطوير والتحسين حتى تتسق مع أهداف تقويم المدارس بوصفها جزءًا من عمليات ضمان الجودة، فضلًا عن كونها أداةً فاعلةً في توجيه المسؤولين للحكم على جودة برامج التعليم والتعلّم، واتخاذ القرارات المناسبة، وتحديد أولويّات التحسين ومتابعتها، ومع أن الاختبارات الوطنية لا نجاح فيها ولا رسوب،​ ولا تؤثر في انتقال الطالب للمرحلة التي تلي مرحلته الدراسية، إلا أن نتائجها مهمة جدًا على المستوى الوطني، والمدرسي والاجتماعي؛ لأنها تعطي بيانات موثوقة وعالية الدقة، وكذلك ستعطي أولياء الأمور تعريفًا بأداء مدارس أبنائهم، والتي ستمنح الطمأنينة والثقة بالتعليم الحكومي مقابل نظائره في العالم، وبذكر مؤشر «تـرتيـــــب»: فهو مؤشر يقدم ترتيبًا لإدارات التعليم ومكاتب التعليم والمدارس حسب متوسط درجات طلابها في الاختبارات المعيارية التي تنفذها الهيئة، ويهدف المؤشر إلى تحفيز التنافس بين إدارات ومكاتب التعليم والمدارس لتجويد المخرجات وتحسين أداء الطلبة في هذه الاختبارات.

​​والنتائج المتوقعة من اختبارات «نافس» الوطنية:

إصدار تقارير عن الأداء التعليمي.

توظيف نتائج الاختبار في تقويم مدارس التعليم العام.

معرفة تأثير إستراتيجيات التعليم والتعلّم وعمليّات التقويم.​

أخيرًا، أنا فخور بهذا التقدم التعليمي في بلدي، شكرًا لوزارة التعليم، ولوزير التعليم وفريقه، ولهيئة تطوير التعليم.