ينص القرآن الكريم في مواضع عديدة على حرمة النفس وكرامة الإنسان، ويساوي في ذلك بين كل البشر ما لم يرتكبوا جرمًا موجبًا للقصاص.

ولكننا مع ذلك ما نزال نرى الاعتماد على آراء فقهية قديمة، فرقت في الدية بين الذكر والأنثى، وبين المسلم وغير المسلم، وهي آراء معتمدة على اجتهادات الفقهاء ولا تستند لنصوص قطعية الثبوت والدلالة.

وحيث إن بلادنا تمر بمرحلة تحولات نظامية وقانونية ذات أهداف حضارية وإنسانية، واستنادًا لما استقر في أفهام المشرعين من حديث ولي العهد - حفظه الله - الذي قال فيه بكل وضوح أنه لا قداسة مطلقة لأقوال الفقهاء والعلماء، وإن اجتهاداتهم وإن كانت معتبرة إلا أنها محكومة بعاملي الزمان والمكان، وأن القانون السعودي يبنى على ما تقتضيه المصلحة العامة ويؤخذ فيه بالتيسير الشرعي قدر الإمكان.

وفي مسألة المساواة في الدية اختلفت الآراء والاجتهادات داخل الفقه الإسلامي، ولم يعد الرأي السابق متماشيًا مع معطيات العصر ومستهدفات الرؤية الاقتصادية، ومنها حماية حقوق الإنسان ونبذ التفرقة والعمل على جودة الحياة والانفتاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ولا يتأتى هذا في ظل قوانين تفرق بين حرمة النفس الإنسانية بالاستناد على الجنس أو الدين!

من جهة أخرى فإن هناك عددًا كبيرًا من الآراء الفقهية لها وزن معتبر ترى المساواة بين الناس في دية النفس، وقد قال إمام الأزهر الشيخ محمود شلتوت في كتابه «الإسلام عقيدة وشريعة» تحت عنوان «دية الرجل والمرأة سواء»: «وإذا كانت إنسانية المرأة من إنسانية الرجل، ودمها من دمه، والرجل من المرأة والمرأة من الرجل، وكان «القصاص» هو الحكم بينهما في الاعتداء على النفس، وكانت جهنم والخلود فيها، وغضب الله ولعنته، هو الجزاء الأخروي في قتل المرأة، كما هو الجزاء الأخروي في قتل الرجل، فإن الآية في قتل المرأة خطأ، هي الآية في قتل الرجل خطأ.

ونحن ما دمنا نستقي الأحكام أولاً من القرآن، فعبارة القرآن في الدية عامة مطلقة لم تخص الرجل بشيء منها عن المرأة: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} «النساء:92»، وهو واضح في أنه لا فرق في وجوب الدية بالقتل بين الذكر والأنثى.

ونحن إذا نظرنا لتجارب عدد من الدول المجاورة ذات الثقافة التشريعية المشابهة لنا كدولة الإمارات الشقيقة على سبيل المثال، نجد أنها طبقت هذا الرأي الذي يقضي بالمساواة ويحقق أعلى درجات الردع.