تكلمنا سابقا عن تاثير الصحوة في العقل الباطن لبعض الناس (أو ما تحت الوعي)، وكيف أن ذلك يؤثر في تصرفاتهم واستجاباتهم، ولكن الأهم أن عددا غير قليل منهم لا يعرف أنه صحوي باطنياً، بل هو ربما مقتنع أنه ضد الصحوة وتجده بلسانه يهاجمها، لكنه يمارس بعض تصرفاتها وتبني طريقتها دون وعي.

الكلام والتنظير سهل وكل يقدر على رصّ كلمات وتفلسفٍ في أوقات الفراغ، وفي الأوقات الحالية عندما كُشفت الصحوة وتتم الآن محاربتها أصبح سهلا انتقادها، لكن قبل عقود لما كنا نجهر بمحاربة استغلال الدين في السياسة والحركات الوصولية ومنها الصحوة، كانت الصحوة في أوج قوتها وتملك كل الأدوات، وكثير من الناس كانوا يساندونها، ولمّا تجهر وتبين حقيقتها في ذلك الوقت، كان هناك هجوم شرس منهم، باستخدام كل الأدوات ضد مخالفيهم، وكانوا يحرضون الناس عليك (ذكريات عديدة)، وكان حتى اللي يعزك ينصحك ألا تجهر أو لا تعاكسهم علنا، وكان من يقاومهم جهرا عددا قليلا.

وكانوا يستخدمون الأسلوب الشهير، إنهم يتكلمون باسم الدين وإنهم أوصاياء على البشر، ومن يعاكسهم فهو ضد الدين! مع أن الدين الإسلامي لا توجد فيه رهبانية ولا يوجد فيه وسطاء بين الرب وعباده، جيلنا يذكر تلك السنوات، فما بالك من حورب لأنه كان ضد الصحوة. وبعدها جاءت الموجة الثانية وجاء استغلال الدين في السياسة على هيئة (الإخوان المسلمون)، خصوصا أيام الخريف العربي وأحداثه، رغم أن جماعة الإخوان قديمة منذ عقود، لكن تجبروا في وقت الخريف العربي، فهاجمناهم وبيّنا للناس ألعابهم واستغلال الدين في السياسة من أجل الوصول للحكم، وكالعادة شنوا حروبا علينا ووضعونا في القائمة السوداء، واستمررنا على النهج، وكالعادة جاء إلينا البعض من باب النصحية أو من باب تغيير الجلد، وكانوا يقولون لنا يا أخي (ما دامهم حكموا الآن وصاروا حكاما لدول عربية جاملهم بما أن الوقت لهم). هؤلاء الناس هم أنفسهم اللي كانوا يقولون لا تهاجموا الصحوة، وأنها تمثل المجمتع، بس غيروا جلدهم مع الموجة ومع الموضة. استمررنا بمهاجمة الإخوان والجميع يذكر صعوبة الهجوم على الإخوان في تلك الأيام لأنه كان لهم نفوذ في الإعلام والتواصل، ولديهم قطيع من الناس، سقطت جماعة الإخوان سقوطا مروعا، فلاحظنا أن البعض أيضا بدأ يغير جلده مع متطلبات المرحلة، ويدعي الوطنية، بل زاد عن ذلك بأنه أصبح يوزع صكوك الوطنية على البقية، ويتكلم كأنه هو الوطني المتحمس في وسائل التواصل إلخ...

أولاً: الوطنية ليست فقط أقوالا بل هي أفعال، فأنت جالس على المكيف، الضحى تشرب شاهي، وتوزع الوطنية لا يستقيم!، لست ممن حارب أو أصيب في الحد الجنوبي، وضحى بدمه من أجل الوطن. فلا تنسب الوطنية لك حصريا.

وثانيا: لست موكلا من الحكومة في توزيع صكوك الوطنية.

وثالثا: من أنت لتوزع الوطنية وأنت ربما حساب خفي مجهول لا نعرف أجندته الحقيقية، ولماذا أخفيت شخصيتك؟ فالدفاع عن الوطن شرف يعتز به، وكثير من الحسابات المجهولة تدعي الوطنية وتضع صور القيادة وهي لديها أجندة مشبوهة، أو إنها ربما شخصية هامشية تريد أن تزايد في وسائل التواصل على الوطنية، وهو في الحياة الواقعية ما يقدر يقنع الكواي الذي في حارتهم بوجهة نظره.

شيء يثير الاستغراب جدا لما أرى بعض الحسابات يكتب (نحن الوطنيون وغيرنا إلخ...)، السؤال المهم من أنتم؟! ومن أعطاكم الحق بوصف أنفسكم حصريا بالوطنيين وغيركم لا !

هذا أسلوب الصحوة نفسه مع بعض التغيير، هم كانوا يقولون نحن المسلمون وغيرنا الخ..وهؤلاء الآن يقولون نحن الوطنيون وغيرنا، بل لربما هؤلاء الذين يوزعون صكوك الوطنية لو عاشوا أيام الصحوة لكانوا فروخا للصحوة، لأنها المبادئ نفسها والتفكير نفسه، وهو ادعاء المثالية وغيرهم لا، واتباع شيوخهم دون تفكير وجدال ومع (الخير يا شقراء)، شاف الموضة كانت صحوية ركبها، والآن الموضة تغيرت وركبها، وبعض هؤلاء الذين يدعون الوطنية تجدهم ذوي أسلوب متعصب ويهاجمون الجميع، وربما حتى يعطي صورة غير حسنة عن وطنه دون أن يعلم، وتجده ملقوفا يتدخل في كل الأمور، وهناك أمور سياسية أكبر من تفكيره ولا يقدر أن يحللها أو يعطي رأيا فيها، وهناك الواقعية السياسية التي ربما لم يسمع بها.

صار لنا عقود حاربنا الصحوة والإخوان والفساد وما أدراك ما الفساد، وعانينا وهوجمنا وهددنا وأمور لا يتسع المجال لذكرها، ومع ذلك لا أرى من حقي كمواطن أن أوزع صكوك الوطنية على أحد ولا أنسب الوطنية حصريا لأحد، بل أعتقد أن من يحارب في الحد الجنوبي أثبت وطنيته أكثر منا، الذين نكتب بالإعلام.

أما البعض الذين يزايدون في الوطنية هذه الأيام من أجل أن يكفروا عن غلطات الماضي من أيام الصحوة والإخوان فهؤلاء نقول لهم (خف شوي)، ترى الحكومة تدري بتاريخكم وعندها ماضيكم، أما من يزايد من أجل ربما يحصل على منصب أو يصير قالط، ترى الوضع الحالي بالكفاءة والإنجاز والمؤهلات، أما المدح فقط فلن يوصل إلى منصب.