ينسب إلى تقرير التنمية العربية المشغول بالفترة ما بين (2006/2002) عن نخبة (عربية) برئاسة (امرأة عربية) الدكتورة ريما خلف الهنيدي، وقد وضعت كلمة (عربية) بين أقواس للتأكيد باعتبارها تقارير صادرة عن أشخاص مهتمين بنهضة العالم العربي بوعي سياسي حقيقي، وغير أيديولوجي، والفاصل بين الوعي الأيديولوجي والوعي الحقيقي، أن الوعي الأيديولوجي وعي مزيف مبني على أفكار غير حقيقية قد يستثمرها صاحب الوعي الحقيقي كجسر للوصول إلى أهداف حقيقية وممكنة، ومثالها الوعي المزيف الذي يقرأ به البعض صراعات الشرق الأوسط من ثقب خرافة (معركة هرمجدون)، لتستثمرها أجهزة مخابرات الدول لصناعة القاعدة أو داعش.

أعود لتقرير التنمية العربية الصادر عن (نخبة عربية) أي أنه ليس صادرا من جهة يمكن اتهامها بالاستعلاء الإمبريالي من قبل المهووسين بذهنية المؤامرة ولا صادرا عن مستثمرين في أحداث ما سمي (الربيع العربي) فالتقرير سابق عليها، فقد وجد تقرير التنمية العربي أن إشكالات العالم العربي يمكن اختزالها في ثلاثة أوجه قصور وهي: أولاً (نقص الحرية في الحكومات العربية) والثاني (نقص في المعرفة فنظم التعليم العربية لا تعد الشباب لاستغلال الفرص المتاحة في السوق العالمية) وأخيرًا (نقص في تمكين المرأة)، ووراء أوجه القصور الثلاثة كثير من المفاهيم (الخطيرة) التي تستوجب الحذر فما هو (نقص الحرية) وبأي معنى؟، هل كان المواطن السوري أو العراقي على المستوى الشخصي يعاني من نقص الحرية في وجود (الملاهي) مثلًا، أم أن الحرية المقصودة في التقرير تعني مفاهيم (حقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والسياسية) ويمثلها ما يسمى (حقوق المواطنة)، وقد باشرت كثير من الدول العربية وخصوصًا الخليجية معالجة هذا القصور بشكل يحمي تماسكها السياسي من استغلال (الأحزاب الأممية العابرة للحدود وتغولها على الحريات)، وهذا مما يعطي الأمل للنخبة الوطنية المثقفة بأن هناك ضوءًا في آخر النفق الذي يتم حفره في جبل (التاريخ العشائري والطائفي والاستعماري) لمنطقة عانت من الهيمنة (الأعجمية/من أيام الأتراك والبرتغال وحتى الإنجليز والفرنسيس) على عقلها أولًا ثم مقدراتها ثانيًا لما يزيد عن ستة قرون، وعليه فالقوى المعارضة لدولها والتي تتذرع بأعلى نماذج الديمقراطية والحرية ليست سوى مزايدة سياسية على هذا الواقع الذي يؤكد حتى كتابة هذه المقال أن هناك ما يزيد عن سبعين مليون أمي عربي غالبيتهم من الإناث مقارنة بالذكور، ورحم الله غازي القصيبي عندما أجاب قبل أكثر من عشرين عامًا على سؤال النقطة الأهم التي ستكون محور اهتمامه فيما لو فاز بمنصب اليونسكو فأجاب: (هي منظمة التعليم والثقافة والعلم ولو كان لي من الأمر شيء لسميتها منظمة التعليم ثم التعليم ثم التعليم، فدون التعليم لن تكون هناك ثقافة ولا علم)، مستعرضًا وجود ألف مليون أمي في العالم وقرابة سبعين مليون أمي عربي، ولهذا فالتعليم كما لاحظنا من تقارير التنمية ورأي أحد كبار المثقفين العرب (الواقعيين) هو (الصناعة الثقيلة) الحقيقية في كل بلدان العالم، وما عداها نتائج في جميع اتجاهات التنمية بالمعنى (المستدام)، ويبقى السؤال الصلب الذي يحتاج إجابة أكثر صلابة: عن أي تعليم نتحدث؟ وباختصار شديد عميق: أي تعليم لا يمنح المتعلم القدرة على منافسة الباحثين عن وظائف ومهن في شركات العالم العابرة للقارات فليس تعليمًا بالمستوى المطلوب، والأمر ليس مستحيلًا فالتعليم في الهند والصين استطاع تخريج مئات الكوادر التي تراها ببشرتها السمراء الهندية وعيونها الصغيرة الصينية في وادي السيليكون الأمريكي، بقول آخر: بالتعليم النوعي غزت الصين والهند العالم بأبنائها المتعلمين، وبقيت الثالثة الأخيرة وهي (تمكين المرأة) ونعود للتعليم مرة أخرى مع فتح جميع المجالات، فالتمكين يبدأ من فتح (فرص التعليم للمرأة) في جميع التخصصات بلا استثناء، فالمرأة التي استطاعت أن تصبح (طبيبة جراحة قلب أو مخ وأعصاب) مما يعجز عن مشاهدته كثير من الرجال عدا أن يكون مجال عملهم ومسؤوليتهم، ليست عاجزة عن بقية المجالات بلا استثناء.