ومن سولت له نفسه تغييب عقله، سيفقد أهليته، فالأهلية في العقل، تغييب العقل بالمخدرات، آفة عظيمة، تبدأ ربما كتحد أو بثقة مفرطة فيمن لا يستحق الثقة، أو الاستمرار على مخدر طبي وصفه الطبيب فوجد فيه نوعًا من الراحة فأدمنه.
تعددت الأسماء والفعل واحد، حشيش، شبو، إمفيتامين، ليركا، كلها تسيطر على عقل الإنسان وسلوكه وتجعل منه إنسانًا غير سوي، الليركا هو دواء طبي يوصف لتخدير الآلام الشديدة ويصرف بوصفة طبية، ولرخص سعره استخدمه البعض كمخدر، بالذات في فئة الشباب، كطبيبة أطفال لم أظن أن هذا يحدث ولكن قالته لي أم صغيرة يانعة في مخاضها، لتلد طفلها الأول.
سؤال بريء: ماذا سيحصل إذا كانت الأم مدمنة على جميع أنواع المخدرات؟!
تخيلت أنها تهذي، ولكنها كررت نفس السؤال بعد ولادة الطفل، كانت تتناول ليركا وشبو، وأشياء أخرى لا تحضرني، تم تنويم الطفل بالعناية المركزة لحديثي الولادة لملاحظة علامات انسحاب المخدر، مثل تسارع نبضات القلب، والتشنجات، الطفل كان وزنه جيدًا، وكان من الممكن أن يولد مشوهًا أو ناقص وزن أو أن يُجهض مبكرًا، لكنه خرج إلى الدنيا بين والدين يتشاركان المشكلة نفسها.
الزوجة أحبت رجلاً مدمنًا فتزوجته وأخذها للطريق ذاته، لأن ذويها تخلوا عنها، لعدم ترحيبهم بهذه الزيجة، تزوجته زواجًا شرعيًا رغمًا عن والديها، وأنجبت ابنها، فزارتها أمها في الخفاء ليطمئن قلبها، اطمأنت عليها وخرجت ولم تعد، بعد تعافي الأم من الولادة تم تحويلها وزوجها لمستشفى الأمل، وسلم الطفل بعد خروجه من المستشفى لدار الحماية الاجتماعية، لتخلي عائلتي الأبوين عنهما، هذه ليست القصة الأولى، ولكن من النادر أن تعترف الأم بالإدمان، لأنه عادة يتم تشخيص الأم بالإدمان بعد ظهور علامات انسحاب المخدر على مولودها بعد الولادة، وبعد فحص الدم يتبين ذلك فعلاً.
حينما كنَّا ندرس كانت هناك متلازمة تُدعى متلازمة الطفل الكحولي، وهي ناتجة عن تعاطي الأم للكحوليات، فكنَّا نقرأها نظريًا ولا ندخل فيه الاختبار الإكلينيكي؛ لأننا نثق أنه لن تصادفنا حالات مماثلة في مجتمعنا، كنَّا نظن أن هذه الحالات حصرًا على مجتمعات معينة، أمّا اليوم فإنني أقول لطلاب الطب وأطباء زمالة طب الأطفال، اقرأوا جيدًا فصل متلازمة الطفل الكحولي عند دخول الاختبار الإكلينيكي، فلا شيء مضمون، فدائمًا للحياة وجه آخر علينا معرفته والتعامل معه.
بعض العائلات تعتقد أن في تزويجها لابنها المدمن أو المنحرف تعقيلاً له، إيمانًا بمقولة (زوجوه يعقل)، ولكن لا يمكن لرجل لم يستطع أبواه اللذان أنجباه وربياه أن يقوماه، فكيف بامرأة تعرف عليها للتو، لا يربط بينهما سوى عقد! غالبًا إما أن ينفصلا أو يأخذها معه في طريقه المعوج.
التبرؤ من الأبناء المنحرفين ليس حلاً، ولا يعفي الوالدين من المسؤولية، بل سيزيد الطين بلة، فهم أحوج ما يكونون إلى الاحتواء.
كنت من قبل قد طالبت بإضافة الفحص الوراثي لضمور العضلات الشوكي (SMA)، والمنتشر لدينا في السعودية لفحص ما قبل الزواج، والأسبوع الماضي طالبت بإضافة التقييم النفسي والعقلي، واليوم أطالب بالبدء بعمل فحص لمستوى المخدرات والمسكرات في الدم لقائمة فحوصات ما قبل الزواج، فالوقاية خير من العلاج.