يُعد التأثير الذي يحدثه الأب في شخصية أبنائه، وبناء شخصياتهم بمثابة السحر الذي يسيطر على وجدان أبنائه، وهو بهذا التأثير لا يطغى على دور الأم وتأثيرها، لكن هناك اختلافا في الأدوار وبالتالي اختلاف في التأثير.

الكل يتذكر ابتسامة أبيه حين يلقاه بعد عناء يوم عمل طويل، وحضنه الدافئ الذي لا يعدله مكان في الدنيا، وهدايا النجاح والعيد التي لا يمكن أن تغيب عن ذاكرته، وسؤاله عن أبنائه وتلبية ما يشتهون حتى وإن أخذ من فمه وأطعمهم، وتلك الكلمات والحِكَم التي يوجه بها أبناءه وتظل عالقة في أذهانهم، وتنير لهم طريق الحياة، وتساعدهم على مواجهة المشكلات مهما كَبُرت، وتضحياته في سبيل إسعادهم وتوفير الحياة الكريمة لهم.

والكل يُدرك وبشكل واضح درجة الإعجاب بالأب، والأثر الوجداني لشخصيته على ابنته على وجه الخصوص، ودرجة تعلقها بهذا الرجل الذي لا يعدله تعلق بشخص آخر سواءً كان الزوج أو الابن أو الأخ، لذا تتميز العلاقة وتصبح ذات ارتباط وثيق بنظرة الفتاة للحياة، وحاجتها إلى تلك العلاقة الإنسانية المميزة في كل مراحل حياتها وليس فقط في مرحلة الطفولة، كون الأب هو الجدار الذي لا يهتز، والقوة التي تمنح الفتاة القدرة على التغلب على مختلف تقلبات الحياة، لذا فإن فقدان الأب لدى الفتاة بالوفاة أو الانفصال عن الأم أو الغياب يشكل انكساراً لا يعدله انكسار وألم لا يمكن نسيانه مهما طال الزمن.

وعند ارتباط الفتاة بزوج فإن أول ما تبحث عنه من عواطف الانجذاب نحوه هو شعورها بالحاجة إلى شخصية الأب، وملء ثغرة بُعده، وحرصها على أن تبحث عن صفات أبيها وحنانه وعطفه، وتلبية متطلباتها مثل ما كان الأب يتفانى في تلبيتها، وقد تُرزق الفتاة برجل يلبي باجتهاد تلك الحاجات، فتصل معه الفتاة إلى قمة الشعور بجمال الحياة، والإحساس بالسعادة بسبب اندماج الشخصيتين ووجودهما في حياتها.

وعلى النقيض من ذلك يشكل الزوج الذي يختلف في تعامله مع الفتاة بشكل صارخ عن شخصية الأب الحنون، بما يقوم به من تصرفات قد تؤذي مشاعرها، وتحطم نظرتها إليه كرجل يشبه أباها في حبه ورعايته لها، وهنا يتضاعف الألم، وتشعر بالحرمان من فقد الأب ورعاية الزوج في آنٍ واحد.

لذا فإن العناية بمشاعر المرأة هي من أولويات الرجال الكرماء، ولذلك فقد أوصى سيد الخلق، صلى الله عليه وسلم، وقال: «استوصوا بالنساء خيراً»، وقال: «ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم» لعلمه بما يختلج المرأة من عواطف مختلفة عن الرجل، وبالتالي فهي الأولى بالمزيد من الرعاية بمشاعرها، والحرص على جبر انكسارها في حالة بعدها عن أبيها، ووجودها مع رجل تأمل أن يسعدها كما كان أبوها يفعل.

لذا فلندع لكل الآباء بالسعادة كما أسعدوا أبناءهم، واحفظ يا رب من بقي منهم، ويا رب أنزل الرحمات على من رحل منهم، واجبر كسر من فقدوهم، إنك جواد كريم.