تترقب عنيزة الانتهاء من عملية تركيب لوحة «شارع موضي البسام» لتكون اللوحة الثانية التي تحمل اسم امرأة لشارع في المحافظة بعد أن تم تركيب لوحة طريق مزنة بنت منصور المطرودي في 15 جمادى الثاني الماضي.

وتم اعتماد تسمية الشارعين معًا، لكن اقترح نقل الشارع الذي سيحمل اسم موضي البسام ليكون رئيسًا بدل أن يكون فرعيًّا ما آخر الانتهاء من تعليق اللوحة حتى الاستقرار على الشارع بشكل نهائي.

وللمرأتين أدوار مهمة تستحق التكريم، فقد اشتهرت موضي البسام بلقب «أم المساكين»، وارتبط اسمها بأمثال عدة مثل «إن جاك ولد سمّه موضي»، فيما ارتبط اسم مزنة بمقولة «الله يرحم مزنة» تقديرًا لدور المرأتين وتوثيقًا لسيرتهن.

موضي البسام

ولدت موضي البسام أواخر القرن الـ13 الهجري في عنيزة، وحفظت بعض سور القرآن الكريم، وتعلمت بعض العلوم الشرعية، وعرف عنها المثل الدارج «إن جاك ولد سمّه موضي»، وذلك لقوة شخصيتها وإرادتها الصلبة وإسهاماتها في عمل الخير، حيث عاصرت أحداثًا جسيمة وتقلبات سياسية وحربية في المنطقة الوسطى.

وآوت موضي البسام كثيرًا من المقاتلين مع مبارك بن صباح بعد معركة «الصريف» عام 1318للهجرة، وأكرمتهم وساعدت في تجهيزهم للعودة إلى الكويت سالمين.

وكانت موضي استقبلت بعض المقاتلين الذين لجأوا إلى عنيزة عقب معركة البكيرية عام 1322هـ (1904م)، حيث أعدت لهم ما يحتاجونه، وأخرجت بالتعاون مع عدد من النساء في سنة الجوع عام 1909 التمور من المخازن، ووزعتها يوميا على بيوت الفقراء والمساكين.

وتوفيت موضي عام 1944 في عنيزة.

مزنة المطرودي

رددت القبائل العربية مقولة «الله يرحم مزنة»، وقصدوا بها مزنة المطرودي، التي تروى قصتها، مشيرة إلى أنه ذات يوم ذهب كل رجال قريتها إلى صلاة الجمعة، وكانت المسافة بين قريتهم العوشيزية وعنيزة تبلغ 7 كيلومترات، ما يعني أنهم سيتأخرون في العودة، خاصة أنهم اعتادوا شرب القهوة بعد الصلاة عند أحد معارفهم، ولا يعودوا إلى الديار إلا بعد صلاة المغرب.

وعلم بعض شباب البادية بالأمر، فخططوا لسرقة الماشية، وذهبوا وسرقوا الماشية، لكن مزنة المطرودي رأتهم وشعرت بالغيظ لسرقة ممتلكات والدها، فبحث عن ثياب تخص أخيها وارتدتها، ولثمت وجهها، وأحضرت معها مجموعة من النساء وجعلتهن يتخفين مثلها، وركبن الخيول، وساروا كأنهن مجموعة من الفرسان الشجعان في إثر السارقين، وبدأوا يدورون حولهم من بعيد وكأنهن ينوون الانقضاض عليهم، وهو ما أرعب السارقين، خصوصًا حين اقتربت منهم مزنة وصرخت بصوت حاولت أن يكون أجشا طالبة منهم إعادة الماشية التي سرقوها، متوعدة إياهم بالحلف بالطلاق ثلاثًا لتوهمهم أنها فارس رجل، وتوعدتهم بالقتل واحدًا واحدًا، وهي تصرخ حولهم مشهرة سلاحها.

ارتعد اللصوص وقرروا على الفور رد المواشي، ولكنهم سألوا عن اسم الفارس الذي أمامهم، فقالت لهم أنتم أمام حماد المطرودي، وعندما أعادوا الماشية أنزلتهم في الضيافة وأخبرتهم أن العشاء سيأتيهم وعادت مع النساء للدار لتجهز الطعام للضيوف الأعداء حتى عاد الرجال إلى القرية، وعندما وجدوا الرجال في الضيافة رحبوا بهم، وكانوا لا يعرفون أي شيء مما حدث.

لكن الضيوف طلبوا رؤية حماد المطرودي الفارس، وكانت مزنة قد أخبرت والدها بما حدث، فأخبر الجميع أن هذا الفارس الذي أجبر البدو على إعادة الماشية ما هو إلا ابنته مزنة المطرودي.

خطاب يطلبون المتنكرة

بعد انتشار خبر مزنة بين العرب ووصوله حتى مجالس الأمراء، سارع الخطاب لطلب يدها، وخطبت لابن جلوي بن تركي آل سعود وتزوجته.

ويروي الدكتور أحمد البسام، وهو أستاذ في قسم التاريخ في جامعة القصيم أن «التاريخ الحديث سطر إنجازات سيدات لهن أعمال خالدة في المملكة».

وأضاف «أنجبت عنيزة كثيرات ممن يشار إليهن بالبنان وتعطر المجالس ذكراهن، وهن يحتجن اليوم بعد رحيلهن لتخليد ذكراهن، ومن البر بهن أن تطلق أسماء المميزات منهن على بعض الشوارع والتعريف بهن»، مقترحًا إطلاق اسمائهن على المدارس وبعض دور الرعاية الخاصة بالنساء ودور تحفيظ القرآن الكريم وغيرها.

مبادرة مشرفة

وصفت الدكتورة كريمة بنت محمد القدهي، حالمة دكتوراة فلسفة في التاريخ والحضارة الإسلامية مبادرة عنيزة بإطلاق أسماء نساء على بعض الشوارع بأنها «بادرة مشرفة»، وقالت إنها مبادرة تخلد ذكرى الأعلام من النساء ممن كان لهن إنجازات وبطولات وقصص وروايات تحكيها الطرق والممرات، وقد خلدن خلفهن أثرًا بارزًا وبصمات لا تزول في العلم والحضارة والسياسة والدين والصلاح والكرم والحكمة، مما يزيح الستارة عن الأدوار المختلفة للمرأة، فهي قد شاركت بترسيخ وحدة الوطن واستتباب أمنه، وشاركت بأعمال الخير والإنفاق في خضم الأزمات، ما جعل منها مضرب مثل.

وأضافت «تكرس البادرة ما تحظى به المرأة السعودية حاليًا من اهتمام وعناية، وتشجع كل النساء على أن يحذين حذو القدوات اللواتي سبقنهن».