هذه المقولة المعبرة تتردد كثيراً عندما نريد أن نحذر أحداً من مغبة التهور، وعدم حساب العواقب، وما قد ينتج عنها من خسائر قد تفضي إلى خسران كل شيء بما فيها رأس المال والخروج صفر اليدين.

وبلغة أكثر علمية يشكل التخطيط السليم للاستثمار من خلال دراسة الجدوى للأفكار وتطويرها لحين الوصول إلى قبولها واعتبارها مبررة اقتصادياً، وتتضمن هذه الدراسة جميع الجوانب التسويقية والقانونية والاقتصادية والتي تمكن صانع القرار من توفير المعلومات واعتبارها الأساس الذي يحكم من خلاله على اتخاذ القرار لتحقيق الأهداف من الاستثمار.

وفي النهاية تهدف دراسة الجدوى إلى الوصول لنتيجة مفادها أن هذا المشروع سيحقق بنسبة قبول كبيرة العائد على الاستثمار، وينتج الربحية على المدى الطويل واستدامتها بتحقيق الأرباح طيلة فترة حياة المشروع.

ومن هنا، فإن أغلب التعثرات في المشاريع تكون بسبب دراسة جدوى أعطت نتائج غير حقيقية بالربح، بالتالي تنعكس المعادلة وتتحقق الخسارة ويتآكل رأس المال حتى يضمحل ويفنى ويضيع كل شيء من جهد ومال وحتى العقل أحياناً.

وهذه المقولة «يا مدور الأرباح لا يفوتك رأس مالك» تقال كثيراً في حياتنا اليومية عندما نلاحظ البعض يتخذ عدداً من القرارات على الصعيد الاجتماعي أو الأسري ولا يحسب حساب النتائج بشكل صحيح، بالتالي تتكون رد فعل لهذه القرارات حتى تسبب نكبة تنسف ما أراد أن يحققه الشخص، وتورطه في مصائب، وتدخله في دوامة من الصراعات التي كان في غنى عنها لو درس قراراته بتأني، واستشار ذوي الخبرة، قبل أن يغوص في نتائج قراراته المتعجلة وغير المدروسة التي أفقدته رأس ماله الأسري، وعلاقاته واستقرار حياته.

وعلى سبيل المثال قد يقرر البعض ترك عمله المستقر والتحول للمجهول في مشاريع سمع عن جدواها في جلسة شاي مع بعض الأصدقاء، فيتحول من شخص مستقر إلى متسول يتكفف الناس ويطلب المساعدة بسبب سخافة عقله وتعجله وعدم دراسة جدوى أفكاره وواقعيتها، أو قد يسافر البعض نحو المجهول بحثاً عن حياة أفضل، ويتعرض لمخاطر قد تزهق حياته أصلاً، فيفقد رأس ماله الأعظم وهو حياته.

لذا فإن الدراسة المتأنية للقرارات وتحديد الأفضلية النسبية التي تتمتع بها الفرص التي تلوح في أفق أي منا من خلال استخدام الطرق العلمية التي تعتمد على اختبار الفرضيات وإجراء المقارنات، مما يساعد على وضع سياسات مناسبة للسير في تطبيق الأفكار، ووضع كل احتمالات الخطر وطرق مواجهتها، وعدم التسرع في اتخاذ القرارات من خلال الجمع الكافي للمعلومات واستخدامها في إدارة الموارد، لتحقيق الأهداف المرجوة من تطبيق الأفكار الاستثمارية.

وفي النهاية نحن لا نقول «يا مدور الأرباح لا يفوتك رأس مالك» من أجل تعطيل عجلة الأفكار، والتخويف من تطبيق الأفكار الإبداعية التي تعتبر رأس المال الحقيقي، ولكن المقصود هو التأني وعدم التسرع وتطبيق الطرق العلمية في دراسة الجدوى، وإدارة المخاطر، وعند التأكد من ذلك لنتوكل على الله، ولنبدأ التطبيق على بركة الله.