ما زلت أحفظ لأحد الإسلاميين المحسوبين على اتجاه معين، وضعه تعامل المملكة العربية السعودية مع الحجاج والمعتمرين كمعيار له في تحديد من يمكن أن يكون ضمن دائرة الإسلام، حينما سئل عن إحدى الفرق التي أطبق مختلف الاتجاهات الدينية على إخراجها من الإسلام، وقال: (ما دامت السعودية سمحت لهم بالحج والعمرة، فهم ضمن دائرة الإسلام عندي)، وقدمت بهذا الكلام للحديث عن أمن الحج ويسره، لأمرين، الأول: أن مبدأ الأمن واليسر في الحج هو التسامح والسماحة، اللذين تميزت بهما السعودية قيادة، وشعبًا في تعاملها مع ضيوفها وزوارها من مشارق الأرض ومغاربها، بغض النظر عن الرأي أو الحكم الشرعي الذي يقصي ويدني بناء على حسابات معينة، والذي لا يصح غالبها، وفي هذا إبطال تام لدعوى تسييس الحج، أو استثماره واستغلاله، أو عدم أمانه، كما يزعم بعض المرتزقة، أما الثاني: فكون الرأي صدر ممن لا يواد السعودية ولا يحبها، وهذا ينطبق عليه قول السرِيّ الرّفّاء:

وشمائلٌ شهِد العدو بفضلها والفضل ما شهدت به الأعداء

على كلٍ، كان الحدث غير المسبوق في التاريخ السعودي هو تدشين رؤية السعودية 2030، وكان قطاع الحج والعمرة محورًا رئيسًا في رؤية السعودية 2030؛ لما له من أهمية قصوى وأولوية أولى لدى القيادة السعودية الرشيدة، والذي يأتي امتدادًا لشرف خدمة الحرمين الشريفين منذ عهد الموّحد الملك عبد العزيز، وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وتم تعزيز هذه الأهمية بإطلاق برنامج خدمة ضيوف الرحمن في العام 2019م، والذي يتمثل في إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لأداء فريضتي الحج والعمرة على أكمل وجه، والعمل على إثراء وتعميق تجربتهم الدينية والروحية، من خلال تهيئة الحرمين الشريفين، وتهيئة المواقع السياحية والثقافية، وعكس الصورة الحضارية للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، لذا كانت البداية بإجراء دراسة شملت آلاف المسلمين حول العالم، أسهمت في تحديد التوقعات ومعرفة احتياجات ضيوف الرحمن، وقد حقق البرنامج العديد من الإنجازات، أبرزها: إتاحة التأشيرات الإلكترونية للحجاج والمعتمرين من جميع الدول وتمديد فترة موسم العمرة، والتأمين الصحي الشامل، إضافة لعدد من الإنجازات التقنية.

العمل على تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، في خدمة ضيوف الرحمن يجري على قدم وساق، وفي عدة اتجاهات في وقت واحد، فالمملكة شهدت أكبر توسعة للحرمين الشريفين في التاريخ الإسلامي، كما جاء تطوير المشاعر المقدسة خطوة مهمة لاستيعاب الأعداد المتزايدة ضمن خطة لاستيعاب 30 مليون معتمر سنويًا، كما أنجزت شبكة قطار المشاعر المقدسة، ومشاريع إسكان الحجيج، وتوسعة وإنشاء مطارات ضخمة لاستقبال ضيوف الرحمن، وتوفير إدارة أمنية فاعلة ومنجزة للحفاظ على أمن الحجاج واستقرارهم، كما تم إطلاق برامج الترحيب بالحجاج لحظة قدومهم إلى المملكة.

ووسعت المملكة كذلك منظومة خدماتها الصحية لضيوف الرحمن لتشمل تجهيز المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، وتقديم خدمات معلوماتية وتوعوية، وتموينية، ونظافة شاملة ودائمة في المشاعر على مدار الساعة، مع خدمات متقدمة للصرف الصحي، وعمليات التشجير والإنارة في المشاعر المقدسة، وتنفيذ توسعات مستمرة لجسر الجمرات، الأمر الذي يؤكد أهمية الدور الكبير الذي توليه المملكة لحجاج بيت الله الحرام كل عام.

ووضعت وزارة الحج والعمرة حزمة من المبادرات الإستراتيجية بغية تطوير قطاع الحج والعمرة ليحقق طموحات رؤية السعودية 2030، ومن أبرز هذه المبادرات: تأسيس مركز التحكم والمراقبة الإلكترونية في وزارة الحج والعمرة، بهدف ربط مراكز خدمات الحجاج والمعتمرين بصنّاع القرار، وزيادة التنسيق بين أطراف منظومة الحج والعمرة، وإتاحة لوحة التحكم لجميع الجهات الحكومية.

كما أطلقت مشروع الأسورة الإلكترونية، بهدف مساعدة الحجاج وتقديم الدعم اللازم لهم، وإتاحة جميع معلومات وبيانات السوار الإلكتروني لجميع الجهات الحكومية في منظومة الحج والعمرة.

وأطلقت الوزارة كذلك مبادرة التحول من ثقافة العمل الموسمي في قطاع الحج والعمرة، والانتقال إلى ثقافة العمل على مدار العام، بالتعاون مع القطاع الخاص، وغيرها من الأعمال والمبادرات النوعية.

وفي إطار السعي الحثيث لتطوير الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، تبرز مبادرة «طريق مكة» لتسهيل إجراءات دخول الحجاج خلال دقائق معدودة من مطارات بلدانهم، بدءًا من إصدار التأشيرة إلكترونيًا وأخذ الخصائص الحيوية، وترميز وفرز الأمتعة وفق ترتيبات النقل والسكن في المملكة، والتي تسمح للحجاج بالتوجه مباشرة من محطات الوصول إلى مقار إقامتهم مباشرة عبر مسارات مخصصة، وسط حفاوة وترحيب بالغين، في الوقت الذي تتولى الجهات الخدمية إيصال أمتعتهم إلى مساكنهم.

وقد أطلقت الحكومة السعودية مبادرة «طريق مكة» بشكل تجريبي في موسم حج عام (2017) مع حجاج ماليزيا، لتمتد إلى حجاج إندونيسيا في الموسم التالي (2018)، ليرتفع عدد الدول المستفيدة من المبادرة إلى 5 دول في الموسم الثالث؛ لتشمل حجاج باكستان وماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش وتونس، قبل أن تتوقف لموسمين بسبب تداعيات جائحة كورونا، لتعود المبادرة في موسم حج هذا العام (2022) لتشمل حجاج باكستان وبنغلاديش والمغرب إلى جانب ماليزيا وإندونيسيا.

الجدير بالإشادة ما يسطره رجال الأمن السعوديون من مختلف القطاعات الأمنية المشاركة في خدمة الحجاج، والتي ظهرت جلياً خلال تواجدهم في المسجد الحرام وداخل المشاعر المقدسة، للحفاظ على أمن وسلامة وتنظيم ضيوف الرحمن، واستطاعوا بكل جدارة توفير سبل الراحة لهم، والعمل على مساعدتهم وتغطية احتياجاتهم على مدار الساعة، ناهيك عن تجلي إنسانية رجل الأمن السعودي، كظاهرة في العديد من المشاهد والمواقف، وهو يوصل رسالته العفوية لجميع أصقاع الأرض، بأنهم متفانون في خدمة ضيوف الرحمن.

المسلمون اليوم يضعون كامل الثقة بقرارات حكومة خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- نتيجة ما يرونه من نجاحات متتالية ومتزايدة في كل عام، ولما يرونه من الحرص والتفاني الكبير في خدمة حجاج بيت الله الحرام.

أخيرًا، الحج موسم الأمن والسلام، والحج عبادة قائمة على أساس اليسر والسهولة (افعل ولا حرج)، وكلّما حج المسلم بيت الله الحرام أو اعتمر قال، كما كان يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربَّنا بالسلام).