في كل عام تقدم السعودية تجربة استثنائية في إدارة الحج، رغم محدودية الزمان وضيق المكان، وضخامة العدد البشري في تلك المشاعر المباركة، وهو أمر تقوم به السعودية باعتزاز وفخر في ظل قيادة راشدة جعلت خدمة الحرمين الشريفين وضيوفهما واجبها الأسمى وهدفها الأعظم، وشرفها الأول.

غير أن هذه الإدارة الخلَّاقة والعمل العظيم الذي تسطره السعودية في موسم الحج كل عام، هو نفسه الذي يتخذه الخونة والموتورون ليكون سببًا لثلب هذه الجهود وتشويهها بأي طريقة كانت، يساعدهم في ذلك عرب ومسلمون رهنوا أنفسهم لأجندات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، إما لكونهم كوادر فاعلة فيها أو مستنفعين منها، ومن بينهم سعوديون تجردوا من كل معنى للعزة والكرامة والشرف ورضوا أن يكونوا مطايا لأعداء الوطن في منظر تشمئز منه النفوس السوية.

وبحسب رصدي المتواضع، فإن المتطرفين والإرهابيين من كوادر الإسلام السياسي بمختلف قوالبه، ومستويات أفراده، بدؤوا شن الهجوم على أداء الحكومة السعودية في الحج من الداخل، في منتصف شهر ذي الحجة 1411، الموافق لشهري يونيو ويوليو 1991، واستمر الوضع على هذا الحال، حتى سبتمبر 1994، حينما أوقف القرار الحكيم للقيادة السعودية الرشيدة المشاغبات والتأليبات الصحوية من صغار العقول وسود القلوب.

في ذلك الزمن كان خطباء ووعّاظ التيار الصحوي في السعودية يشنون هجومًا موسميًا عبر منبر الجمعة، واستمر لاحقًا هجومًا ناعمًا غير مباشر عبر فتاوى التيسير في الحج، التي ترخي حبل بعض الواجبات أو تلغيها في هذه الشعيرة العظيمة التي قد يؤديها المسلم لمرة واحدة فقط في عمره، فتأتي هذه الفتاوى ككشفٍ لمواضع الخلل في إدارة الحج- كما يزعمون- وهذا الهجوم يأتي اتساقًا مع دعاوى إقليمية كان المزمع في ما يبدو أن يكون نقد وثلب الأداء الحكومي في الحج من الداخل، سبيلًا لتحقيق أغراض أولئك الأعداء، كما تم مع ما يظنه هؤلاء المتطرفون والإرهابيون نجاحًا حينما أطالوا الطرق وإحداث الجلبة في مسألة (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) والتي عرف الهدف الإقليمي منها لاحقًا.

اليوم وخلف الأسماء الوهمية والحسابات التي تدار من «غزة حماس»، ومن أماكن أخرى كثيرة، يتولى هؤلاء الموتورون إكمال المسيرة، ويمارسون ما تجيده جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وهو اختلاق الأكاذيب وتضليل الشعوب، لتحقيق الغرض الأكبر وهو الوصول إلى الحكم بأي طريقة كانت، وفي أي بلد كان.

ما يجب أن ندركه أن الجماعة الإرهابية لن تغفر للسعودية، الوقوف سدًا منيعًا أمام مواصلة حلم الجماعة القديم المتجدد في الحكم، مهما بدت منهم أو من كوادرهم الرسمية أو المنشقة أو المتوارية أي بوادر للتعامل الناعم أو المهادنة مع محور الاعتدال العربي.

وما يجب أن نفهمه جيدًا، أن كوادر الإخوان هم المنفذ الأبرز لأجندات وأغراض دول وهيئات وجماعات، تحاول الضغط على السعودية في مختلف الاتجاهات، وما يجب أن نفهمه ونعيه جيدًا كذلك، أن هذا الخطاب المضاد للسعودية له أثره الكبير، ويضلل كثيرًا من المتابعين والمراقبين من المسلمين ومن غير المسلمين، خصوصًا مع موقف اليسار الغربي من السعودية، ويجب ألا نتعامى عن هذا الوضع وحقيقته، خصوصًا ونحن نرى أن حائط الصد الأكبر والأبرز أمام هذا التضليل البشع هو الحقائق والواقع الذي يثبت مدى نصاعة مواقف السعودية أمام كل هذا الأجندات الخبيثة الخاطئة ذات الأغراض الدنيئة، وهذا للأسف يحتاج لعامل الزمن الذي قد يطول، ويأتي بعد ذلك الاجتهادات التي يقوم بها الوطنيون الشرفاء دفاعًا عن وطنهم وأمتهم السعودية، ولكن ما زال الأمر بعيدًا عن تحقيق التوازن بين الدفاع الحق والهجوم الباطل.

ومما يطول منه العجب أن يتم اتهام السعودية بالتطبيع مع إسرائيل والتخاذل عن قضايا العرب والمسلمين وتسييس الحج، من على منبر الجمعة في مدينة تحت الإدارة الإسرائيلية من موتور يحمل الهوية الإسرائيلية، ويصوت للناخبين الإسرائيليين، ويتقاضى رواتبه ممن يسميهم الصهاينة، ويأخذ الأعطيات باعترافه من بعض الدول التي لا تكن للسعودية ودًّا بودٍّ، وفوق هذا يدير مسيرات ومظاهرات طلبًا للتعايش بين قومه والإسرائيليين، هذا الخطيب المضلل قليل الحياء والخلق، بدأ بشن هجومه القذر من بعد المقاطعة الرباعية لدولة قطر الشقيقة، وعندما عادت المياه الصافية بين الأشقاء تجري في مجاريها، استمرت مجارير الخطيب تنضح بكل قبيح.

وكمال الخطيب هذا تولى إدارة «الحركة الإسلامية» في الأراضي الفلسطينية ضمن حدود الإدارة الإسرائيلية، بعد اعتقال رئيسها رائد صلاح، والذي ذكر أن للخطيب دورًا في الزج برئيسه في السجون الإسرائيلية ليتولى هو مكانه.

وأوردت الأمريكية جوديث ميللر، في كتابها: (لله 99 اسمًا) - بحسب موقع «إرم»- عن اجتماعات للخطيب مع وزير داخلية حكومة «إسحق رابين»: «آري ديري»، بخصوص طرق تمويل الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية مقابل أن يعلنوا رفضهم استخدام السلاح البرلماني في دعم حقوق فلسطينيي الداخل، وتروي جوديث ميللر كيف أن وزير الداخلية الإسرائيلي وبسبب علاقته التنسيقية مع كمال الخطيب، أصبح في الوسط السياسي الإسرائيلي يُعرف بـالشيخ ديري.

والتزام الخطيب بواجبه تجاه دولته إسرائيل كان قويًا وقديمًا، ففي 1995 حصلت جماعة الخطيب على فتوى من القرضاوي، أثناء وجوده في إسطنبول، تجيز للحركة الإسلامية دخول الانتخابات الإسرائيلية، وكان ذلك لمرة واحدة ثم حُرِّمت، وما تزال، هذه خيانات بعضها فوق بعض.

على كلٍ، تمارس جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وبدعم كبير من دول متعددة، عملية إثارة الرأي العام العالمي ضد المملكة، ولكلٍ أغراضه الممتدة ما بين الجماعة الإرهابية الفاسقة، وما بين الدول التي تسعى لمصالحها الاقتصادية والسياسية، ونظرًا لتغلل الجماعة الإرهابية في العديد من الدول، والعديد من المجالات، ناهيك عن المندسين منها في الداخل، وممن يظهرون الود والوفاق في الخارج، فإن الأثر يعد أعمق وأكبر، وبالتالي فإن معالجته تكون أصعب وأكثر تعقيدًا، هذا فضلًا عن مراكمة هذا الزيف الذي يصبح مع التقادم بمثابة الحقائق، حتى وإن قلنا إنه لا يصح إلا الصحيح؛ فإن هناك من لا يرى الصحيح إذا كانت السعودية طرفًا في الموضوع، إما حسدًا وحقدًا، أو لمصالح وأغراض ذاتية.