أثار تكليف الشيخ محمد العيسى لإلقاء خطبة يوم عرفة حفيظة المرجفين ذوي التيارات المتأسلمة، وهنا أعي ما أقول بأنهم متأسلمون يستخدمون الإسلام لا يخدمونه. لأن الإسلام بريء من أفعالهم وممارساتهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب. فجاء رفضهم للعيسى ومهاجمتهم له من منطلق أنه يمثل صوت الحكمة والمنطق والإسلام النقي الصحيح المتصالح مع الجميع والمتعايش مع كافة الثقافات والأطياف المتعددة.

وتلك الفئة التي تبغض التعايش بل تكرهه وتكره الحياة وترى في الغلاظة والإقصائية والعدائية والتفرقة سبب تواجدها وجدت في اختيار العيسى ضربة موجعة لهم. فهم ينظرون للمنابر بأنها ملك لهم ووسيلة للتجيش والتهجم والتحريض كما فعل الكثير من الساقطين منهم من على المنابر في إطار تعليقهم على ذلك الاختيار.

أولئك السذج لم يدركوا أن قواعد اللعبة قد تغيرت فعلا، وأن المجتمع أصبح أكثر وعيا وادراكا بغاياتهم ونواياهم القذرة، لذا أسلوب التباكي والتجييش لم يعد يجدي نفعا والعبارات الرنانة والتكفير والقضاء على من يختلف معهم لم يعد لها محل.

ومن الزوايا المخجلة في انتقادهم للعيسى ، الفجور في الخصومة «وهم سادة ذلك النمط من الخصومات» كذبهم لأحاديث سابقة وقدرتهم على توظيف التقنية وبرامج الفوتوشوب في نسج أكاذيب تجاه الشيخ الجليل فقط لأنه لا يوافق منهجهم المتطرف العدائي.

حالة التكاتف المجتمعي والمؤسسات الدينية في مقدمتها هيئة كبار العلماء وعدد من المشايخ المعتبرين في كافة بقاع العالم الإسلامي مع ذلك الاختيار وإشادتهم بالشيخ العيسى دلالة واضحة وصريحة بأن الجميع يرفض الصوت المتطرف النشاز الذي تمثله تلك الفرق الهالكة. كما أن إشادة أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل بالشيخ محمد العيسى بأنه كان «نعم الاختيار» مثل دعما حقيقيا لذلك الصوت المعتدل ودون أدنى شك من قبلها ثقة القيادة به.

ومن ثم من يلحظ النشاط المميز وخطاب التسامح مع الآخر ونشر المحبة في قيادته للرابطة يدرك تمام الإدراك أن هذا الرجل يقود حراكا فكريا مميزا تنويريا وجهودا ملموسة على أرض الواقع. ولعل النجاحات التي حققها منذ توليه الرابطة دليل قاطع على حجم العمل المميز الذي يقدمه.

لعل ما حدث من ردة فعل حيال تكليف الشيخ محمد دليل واضح في كيفية وأهمية دور المنابر في لم الصف وتوحيد الكلمة وجمع الشتات والتعايش مع الآخرين، وتغليب صوت الحكمة لا لأن تكون منصة للتحريض والتفرقة كما اعتاد عليه المتأسلمون طوال عقود ووظفوها لتمرير أجندتهم.

ولكم أن تقيسوا ذلك بين فحوى خطبة العيسى وخطب من خالفوه التي لا تعدو عن كونها صراخا مدرجا حاقدا يتاجر باسم الدين لأهداف غير سامية، يعتمد على العواطف الهشة والبعد عن العقلانية والمنطق، لأن تجييش الناس سهل وإقناعهم صعب فليس لهم سلاح سوى الزعيق الممزوج بالعاطفة.