كنت قد كتبت سابقًا عن إلحاق المدارس الدينية بالجوامع ووضعها تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية بدلا من وزارة التعليم.

وقد وردتني عدة آراء بشأن هذه الفكرة، وكان من أكثرها طرافة الرأي القائل إن هذه ستكون عودة للكتاتيب، وأصحاب هذا الرأي ظنوا أنني في وارد الدعوة لإنشاء مدارس دينية جديدة، والحقيقة أن المدارس الدينية موجودة أصلا وشاملة كل مراحل التعليم، وإنما الأمر الذي أطرحه هنا هو إعادة تنظيمها وفصلها عن قطاع التعليم العام.

لدينا الروضات القرآنية، ودور الحافظات، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وجميع هذه المؤسسات تعتمد منهجًا مرتكزًا على الدراسات الإسلامية المكثفة ودراسة القرآن الكريم، كما أنها تتبع تنظيميًا لعدة جهات مما يجعل عملها متناثرًا وهو أشبه بخدمة يتضاءل الاحتياج لها مع تطور وسائل التقنية التي أتاحت التعلم الذاتي لكل شيء تقريبًا.

تتلخص المشكلة في عدم الاستفادة من مخرج هذه المدارس في العمل الديني، وذلك بسبب عدم وجود مسارات أكاديمية أو مهنية خاصة، فيصبح الأمر وكأنه مجرد تنويع تعليمي غير مدروس اقتصاديًا أو فكريًا.

المدارس الدينية في كثير من الدول تعتبر مدارس متخصصة، وهي كذلك أيضًا في كثير من الديانات حول العالم، ولكن الذي يحدث لدينا حاليًا هو أن مدارسنا الدينية يعود مخرجها للتعليم العام، فتجد أن الطالب بعد قضاء سنوات في دراسة القرآن الكريم وحفظه يعود ويتخصص في الفيزياء أو الرياضيات أو غيرها وأعتقد أن هذا فاقد كبير.

على الجانب الآخر يندر المتخصصين في كافة الجوانب الدينية كالأئمة والمعلمين والخطباء والفقهاء، وغيرها من أعمال نجد أن من يقوم بها في الوقت الحالي إما أشخاص أصحاب تعلم ذاتي نابع من التزامهم الشخصي أو أنهم أصحاب تخصص جامعي تقليدي غير متصل بالمدارس الدينية.

كما أنه من الملفت حقًا وجود سوق عشوائي لمعلمي ومعلمات القرآن الكريم ينشط فيه عدد من الوافدين الذين تستقطبهم الأسر كمجهود يبذله الأهل لمحاولة تعليم الأطفال القرآن واللغة العربية خارج وقت التعليم المدرسي.

الذي أقوله هنا إن انتقال مدارس التعليم الديني لوزارة الشؤون الإسلامية سيكون فرصة لرفد احتياجات الوزارة بالمتخصصين من جهة، وسيعطينا فرصة تاريخية لمراجعة المحتوى المعرفي الذي يقدم للمتعلمين وإعداد مناهج دينية ذات محتوى أكثر فاعلية، كما أنه من جهة أخرى سيوفر مجالا للأسر الراغبة في حصول أبنائها على تعليم ديني خارج التعليم الرسمي لإلحاقهم ببرامج متخصصة تحت إشراف مؤسسي.

ختامًا.. من شأن تجربة كهذه أن تقلل مما نراه اليوم من اختلافات مربكة في الفتاوى والاجتهادات على المنابر، وفي وسائل التواصل وسيخلق بيئة علمية أخلاقية يتم فيها مراجعة الفتاوى والآراء والأطروحات الفكرية التي أصبحت تتغير على مدار الساعة في هذا العالم المفتوح، الذي نحتاج لمواكبته بأدوات أكثر تطورًا وإبداعًا.