في ظني لن تفلح أي جهود مهما كانت قوتها غير الجهود الإسرائيلية في وضع السياسة الأمريكية على الطريق الجاد لإطفاء الإرهاب الإيراني، وإغلاق ملفها النووي، خصوصًا ونحن نرى التراخي في العلاقات السعودية الأمريكية، والتي ربما أفلحت زيارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن – لجدة مؤخرًا – في ترميم بعض التشققات والصدوع في جدار تلك العلاقة بين البلدين الحليفين، إن اتبعت الإدارة الأمريكية أقوالها بالأفعال.

ودعوني في الأسطر التالية أحكي لكم حكاية، ربما توضح المقصد أكثر: لم تعرف السياسة الدولية بوجه عام، والسياسة الأمريكية بوجه خاص مصطلح الإرهاب في شكله ودلالاته الحالية، إلا بعد جهود دبلوماسية وسياسية إسرائيلية أخذت عدة مستويات رسمية وتطوعية، حيث كان الإرهاب قبل الثمانينيات الميلادية، مبررًا في الأعراف السياسية العالمية، وكانت النظرية السائدة في السياسة الأمريكية في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، أن سبب الإرهاب يكمن في أعمال القمع السياسي والاجتماعي، وأن إنهاء هذا القمع فقط هو الذي سيؤدي إلى وقف أعمال الإرهاب، لذلك كان من الصعب تسجيل موقف سياسي أمريكي أو غربي واضح ضد الإرهاب بسبب هذه النظرية، وفي أواخر 1979، وضمن هذه الجهود المركزة، أسس نتنياهو معهداً للدراسات، يهدف إلى اطلاع جماهير الدول الغربية على نوعية الإرهاب، وطرق محاربته، وفي منتصف الثمانينيات الميلادية، استطاعت الجهود الإسرائيلية، قيادة الدول الغربية في هجوم سياسي واسع النطاق على الإرهاب، كان الهدف منه تعرية الدول التي تقف وراء الإرهاب، ورفض الإرهاب بصورة مطلقة بغض النظر عن تعريف الإرهاب، وهوية الإرهابيين ودوافعهم المعلنة.

ولخص نتنياهو، الإستراتيجية التنفيذية التي قامت عليها تلك الجهود، للوصول إلى هذه النتيجة بقوله: «إن المفتاح للقضاء على الإرهاب الدولي يكمن في تجنيد الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الحرب، إذ إنه منذ اللحظة التي تسلك فيها الولايات المتحدة الطريق الصحيح، ستجر وراءها بقية الدول الغربية».

تمكنت جهود سبع سنوات من العمل الدائب، ومؤتمران أقامهما المركز عن الإرهاب في عامي 1979 و1984، من تغيير السياسة الأمريكية بدرجة كبيرة، من موقف يبرر الإرهاب بوصفه ردة فعل مشروعة، وسبيل مقاومة لا غبار عليه، إلى موقف مناهض ورافض بشكل قاطع لكل إرهاب مهما كان سببه أو هويته.

ومن هنا فإن مسألة الاعتماد على الجهود السعودية في إقناع الإدارة الأمريكية لحل المعضلة الإيرانية وإرهابها في المنطقة، لا يعول عليه؛ لسبب بسيط هو أن المملكة العربية السعودية بإرثها وعمقها العربي والإسلامي لن تخضع لأي ابتزاز مهما صغر، وهذا يفسح المجال واسعًا لدخول إسرائيل طرفًا مهمًا مع الإدارة الأمريكية في حل هذه المعضلة حفاظًا على مصالحها وطموحها في المنطقة.

وبالرغم من كون الاتفاق النووي عام 2015، بمثابة الخيانة للخليجيين، إن بايدن لو عاد إلى الاتفاق في بداية رئاسته؛ لكانت إيران اليوم أبعد عن الوصول إلى قنبلتها النووية الأولى، كما أن المنطقة كانت ستتجنب الاعتداءات الإيرانية على دول الجوار، وعلى الملاحة الدولية خلال 2021، إضافة إلى تجنب الإدارة الأمريكية الرضوخ لمطالب إيران في رفع «الحرس الثوري»، وذراعها الاستثماري «شركة خاتم الأنبياء» ذات الميلون موظف، وميليشياتها الأخرى من قوائم الإرهاب، هذه المسائل تُحرج واشنطن الآن أمام حلفائها، وتضعها أمامهم كما لو كان التفاوض مع إيران، هو مجرد ابتزاز لدول المنطقة.

السعودية تحتفظ بحقها الكامل والأصيل في تطوير قداراتها النووية في حالة تم إبرام اتفاق نووي مع إيران، وهي التي أعلنت في سبتمبر 2019 عزمها على تخصيب اليورانيوم من أجل برنامجها لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية، وقال سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في 2018، وفقًا لرويترز: (إن المملكة ستطور أسلحة نووية إذا أقدمت إيران على ذلك)، وذكر وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، في مقابلة له مع وكالة الأنباء الألمانية: (أن بلاده تحتفظ بالحق في تسليح نفسها بأسلحة نووية إذا لم يكن بالإمكان منع إيران من صنع تلك الأسلحة).

الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني لا يحمينا ولن يردع إيران عن تطوير قدراته النووية العسكرية، لذلك من المهم أن ننظر إلى هذا الاتفاق بشيء من عدم الثقة والاطمئنان في طريق تحقيق أمن واستقرار المنطقة، والذي لا يتحقق من خلال امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وإنما يتحقق من خلال إيقاف أنشطة إيران الإرهابية في المنطقة أولًا، ثم إنشاء شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل، بما فيها السلاح النووي لإسرائيل والتي ما زالت ترفض ‏الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووي، وترفض إخضاع منشآتها النووية لنظام الوكالة الدولية للطاقة ‏الذرية.

إن استقرار المنطقة وأمنها يتحقق من خلال التعاون بين دول المنطقة لتحقيق التنمية المستدامة لشعوبها، كي ينعم هذا الجيل والأجيال القادمة بالسلام والازدهار والتقدم.

وبخصوص ما ذكره الرئيس الأمريكي حول مسألة دمج إسرائيل وإكمال اندماجها في المنطقة، خلال زيارته لإسرائيل، فإن حل المعضلة الفلسطينية عبر «مبادرة السلام العربية 2002»، يعتبر أمرًا مهمًا وسيضمن جزءًا جيدًا من استقرار المنطقة وأمنها، ولكني لا أعتقد اليوم أن تنفيذ «المبادرة العربية للسلام 2002»، سيصمد طويلًا كشرط، مقابل الاعتراف وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بسبب ممارسات بعض الفصائل الفلسطينية، ولذلك سيكون خيار إطفاء الإرهاب الإيراني ومن ضمنه الملف النووي، خيارًا أنسب كشرط أول يضاف إلى مبادرة السلام، خصوصًا مع توجه السعودية المتسارع لبلوغ مرتبة عالمية مرموقة في مجالات أخرى غير الطاقة كالسياحة والاستثمار والتطور التقني وغيره، لخلق تنمية مستدامة لشعبها ولشعوب المنطقة، والذي يحتاج إلى بيئة إقليمية آمنة ومستقرة.

أخيرًا، فإن نظام مقاطعة إسرائيل ينقسم إلى ثلاث درجات: الدرجة الأولى: تشمل مقاطعة السلع ذات شهادات المنشأ الإسرائيلي، والدرجة الثانية: تشمل مقاطعة الشركات الأجنبية العاملة في إسرائيل، أما الدرجة الثالثة: فتشمل مقاطعة الشركات الأجنبية التي لها علاقة بالشركات الإسرائيلية، والسعودية أنهت المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة عام 2005 بصدور قرار مجلس الوزراء، والمبني على قرار المجلس الأعلى لمجلس التعاون الصادر في دورته الرابعة عشرة التي عقدت في ديسمبر عام 1993.