يتقبل المسؤول النقد عندما يكون مثقفًا ومخلصًا وشجاعًا، ومن ملاحظاتي لقضايا التشهير التي ترفعها بعض الجهات أجد أن مثل هؤلاء المسؤولين ندرة وهذا مؤسف.

يعيدنا هذا إلى القانون إذ كثرت قضايا الجرائم المعلوماتية المرفوعة ضد مغردين بناء على ثغرة في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية تتمثل في عدم وجود تعريف قانوني منضبط لغويا لمفهوم التشهير المجرم، وذلك بسبب أن النظام شرع في عام 2007 في وقت سابق لوسائل التواصل واتجاه الناس لها كوسيلة للتعبير عن الرأي - وليس الناشرين - في الوسائل الإلكترونية الذين ينطبق عليهم نظام المطبوعات والنشر والذي ينص في مادته الثامنة على أن (حرية التعبير عن الرأي مكفولة بمختلف وسائل النشر في نطاق الأحكام الشرعية والنظامية) ويصلح هذا ليكون أساسًا متينًا لبناء وتأصيل (حق النقد العادل).

من المنطقي الحديث عن حق النقد العادل، وأعني أن الشخص أو الجهة الاعتبارية الحكومية أو الخاصة لها حق التعبير بنقد عادل يوجه إلى الآخر بما لا يخالف القوانين المعمول بها في المملكة، ويتقاطع هذا مع نقد الرجل المعتاد في القانون إذ يكون من حق الناس والجهات أن تنتقد نقدًا بناءً والإشارة لحق النقد العادل في نظام المطبوعات والنشر سوف يوفر على الجهات المختصة تكاليف رفع قضايا التشهير، ومع أنه ليس لدي دراسات دقيقة عن حجم التكلفة المالية لهذه القضايا إلا أنني اعتقد أنها تكلفة عالية قياسًا على عدد القضايا، فضلًا على أن قضايا الرأي والنشر هي قضايا ذات طبيعة مدنية وليست جنائية فلا يعقل أن يكتب مغردًا رأيا قد يمثل حقيقة واقعة وربما يصوغ رأيه بعبارات لائقة ومع ذلك يسمح النظام بأن ترفع عليه قضية جنائية من قبل الجهة التي قد لا يفهم المسؤول فيها أن النقد هو ترمومتر لقياس جودة الآداء في عمله.

الحقيقة أن النقد العادل هو صوت المجتمع وهو كشاف جيد للمسؤولين إذا أحسنوا التعاطي معه بروح متحضرة شجاعة تحاول أن تصنع إنجازًا مستدامًا وتختط مسارًا تاريخيًا تؤسس من خلاله لقبول الآراء والاختلافات والنقد البناء، بل أعتقد أن المسؤول يجب أن يكون لديه ملف استرشادي يحتوي كل ما يكتب من آراء عن عمله وأن يكون أشد حرصًا على الآراء الناقدة وحتى المهاجمة له وأن يتقبلها من موقعه كمسؤول وليس شخصًا عاديًا يستفز وينفعل ويشخصن الأمور.

يسمى هذا الحق في الثقافة الأمريكية Fair Comment وله تطبيقات عدة وهو معروف كذلك في القوانين البريطانية وغيرها وملخصه أن تفتح القنوات للمجتمع ليكون مشاركا في تصحيح عمل الجهات الخدمية وغيرها دون أدنى تعرض للملاحقة أو التجريم وألا يحمل النقد على مفهوم التشهير وقائع مغلوطة تحمل طابع سبق الإصرار والترصد.

ومعروف أن القانون لا يقتصر على إنجاز العدالة بل تتعدى مهمته ذلك إلى ترسيخ روح من العدل الاجتماعي والوعي القانوني والمعرفة الحقوقية من خلال تطبيقات عامة ومبادئ يحميها النظام ويشارك فيها المجتمع بكامله.