من يعرف ويتابع أخبار وزارة الدفاع السعودية يدرك أن هناك إعادة هيكلة متكاملة وتحديث للوزارة يقوم بها سمو ولي العهد وزير الدفاع، بدأ الأمير محمد باستئصال السرطان الذي كان ينهش الوزارات ومنها وزارة الدفاع، وهو الفساد، وهناك حملة شرسة لاستئصال الفساد والفاسدين، وهذه شجاعة سيقدرها التاريخ للأمير محمد بن سلمان، في السابق كان مجرد ذكر الوزارات السيادية يثير حساسية لدى البعض، لكن أبا سلمان بدأ نهج الشفافية والوضوح، بأن من ينهب أو يخطئ سيعاقب بغض النظر عن وزارته سيادية أو غيرها، وأن الفاسد لا يمثل وزارته مهما كان علو مرتبته بل يمثل نفسه.

هناك تغيير 180 درجة في الوزارة وتطوير وتعديل، وبالطبع هناك أقسام وإدارات وقطاعات أداؤها أفضل من الأخرى، وهناك من نعتقد أنه يسير مواكباً للرؤية، والآخر من نعتقد أنه متأخر نسبيا مقارنة بالآخرين، وكما ذكرنا سابقا في عدة مقالات سنكتب مقالات مفصلة عن القطاعات وأدائها وبكل شفافية وموضوعية بعد انتهاء حرب اليمن بانتصارنا بإذن الله، لكن نرى أنه بما أن الحرب لم تنته فمن غير المستحب أن ننتقد أداء أي قطاع أثناء الحرب.

أستطيع القول بأن كل الأخبار الجيدة في الوزارة في جهة والخبر التالي الجيد في جهة أخرى لأنه هام للغاية لأسباب عديدة.

خرجت الأخبار في الأسابيع الماضية بأن الوزارة بصدد إنشاء جامعة الدفاع الوطني، وهذه خطوة جبارة وفريدة وخصوصا في هذا الوقت، فكما هناك ثورة وتغيير هائل في مجالات الحياة من اتصالات وتكنولوجيا وعلوم ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، فهناك تغيير كبير جدا ومتسارع في الحروب والنزاعات والأمن الدفاعي، وكمثال بدأت الحروب التقليدية بالتناقص وحتى الأدوات المستخدمة فيها، وبدأت الإستراتيجيات والتكتيكات والوسائل تتغير في الحروب الحالية، وكمثال مشاهد قريب حرب أرمينيا وأذربيجان الأخيرة، خرجت لنا بدروس ووسائل معينة، والآن حرب روسيا وأوكرانيا خرجت أيضا بدروس جديدة وأدوات متغيرة الخ...، ومن لا يواكب هذا التسارع سيتخلف عن الركب.

العسكرية لم تعد فقط مثل السابق انضباطية وشجاعة، وهذه كلها مهمة لكن أيضا يحتاج العسكري للتأقلم السريع مع المتغيرات (مواكبة العصر) (update مستمر)، وكما ذكرنا سابقا في الخبرة، فإن الخبرة المكررة لعشرات السنوات قد تحسب كأنها سنة لأنها مكررة، بينما الإضافات الجديدة والخبرات الجديدة المتنوعة هي من تعتبر (الخبرات الغنية) المفيدة في كل المجالات ومنها العسكرية. وحتى القوات غير النظامية أو غير المنضوية تحت دولة (NON-STATE Actor) تغيرت كليا في طبيعتها وأهدافها واستخداماتها وتكتيكاتها.

كل هذه التغيرات العالمية الدفاعية والعسكرية تحتاج إلى جهة أكاديمية متخصصة ذات جودة تحللها وتدرسها وتعطي توصياتها وتضع البرنامج بناء على أسس علمية دقيقة، وأيضا تكون جهة موضوعية شفافة تقيم الأداء في بعض الأحيان وتستنبط الدروس، وبناء عليه تتغير الإستراتيجيات والأهداف، والمهم مواكبة التحديثات والتطويرات والتغيرات في المجال الدفاعي العالمي، هذا غير الدراسات ومراكز البحوث وكليات القيادة وكليات الحرب الخ. وهذا كله في المجمل سيرفع من أداء منسوبي وزارة الدفاع كثيرا، وسينعكس على النتائج في الميدان، بلا شك أن التعليم الجيد الحديث المبني على أسس علمية سينتج أجيالا من الضباط والأفراد عاليي التأهيل، وسيكون أداؤهم مميزا عمليا، فعلا نظرة ثاقبة من ولي العهد، فوزارة الدفاع تحتاج مثل هذه الجامعة في أسرع وقت، والتي ستبنى على معايير دولية عالية.