جميل وطبيعي وحق مشروع أن يكون لكل شخص منا طموح. والأجمل أن يزرع هذا الطموح بذهن الشخص في بداية مشواره العملي، وسيمثل له أكبر حافز لمتابعة الدرب والوصول للمبتغى. ولكن تلك الأماني المشروعة لا بد أن تكون مغلفة بواقع وبجهد يوازي الطموح، وإلا بقيت أضغاث أحلام وخيالات ما قبل النوم وأفكارا حبيسة.

مشكلة الكثير من الجيل الصاعد، وحديثي العهد بالوظائف، ومن هم في بداية المجال الوظيفي، أن الطموح يفوق الواقع والإمكانيات والجهد المبذول، ومن ثم إن الهوس بالمناصب يجعل الكثير منهم عرضة للانكسارات الوظيفية مبكرا، وهو ما قد يدفع البعض للإقدام على ممارسات صبيانية بغية تقديم نفسه للآخرين بأنه قائد وهو مدير بالفطرة.

فبعضهم حتى لم يصعد أولى درجات السلم، ويريد أن يسوق لذاته بأنه يحمل قصة نجاح، وأنه الملهم والقيادي القادم والمدير المنتظر، ويبدأ بتصدير ذلك المفهوم، بل قد يندفع لجهات عمل أقل مهنيا وماديا فقط بحثا عن المنصب.

صناعة القيادات تتطلب عوامل كثيرة، أولها وأهمها توفر الإمكانيات، ومن ثم الصبر، وهو ما يفتقده الكثير من أبناء هذا الجيل. ومن ثم إن المهارات القيادية عديدة، فقد تتوفر في أشخاص صفات مهنية مميزة، ولكنه لا يستطيع أن يكون قائدا. فالنظر للمناصب على أنها بهرجة وتسويق للذات في مسيرتك الذاتية، أو لصعود البرج العاجي، بحثا عن مسمى مدير نقمة وليست نعمة، فالمناصب تكليف وليست تشريفا، وهو ما يجب أن يكون حاضرا في ذهن جميع من يبحث ويلهث خلفها.

ومن الأمور التي يجب الوقوف عندها كثيرا، أن الأقدار لو ساقتك لتصبح مديرا بشكل مبكر، دون أن تتسلح مهنيا فإن ذلك يوقعك في حرج وتعرية أمام الجميع، أولهم موظفوك أو من هم في القيادات العليا، ولهذا في كثير من الحالات تأخر وصولك للمنصب أفضل مهنيا لك، حتى تكون معجونا بالمهنية وتجارب أكثر.

مشكلة تلك الفئة حتى وإن أوصلها هوسها للمنصب ونيل المبتغى، أن ممارستها بعد الوصول تجعل الجميع يدرك بأنه ليس أهلا للقيادة، فالبعض منهم يحاول ترجمة كتاب «قراءة في الإدارة» في مناخ أو مجال مختلف عن مجاله، ويريد تطبيقه في بيئته التي لا تتناسب مع هذا النموذج، والبعض منهم يحاول جاهدا تصنع الهيبة في المنصب، فيأتي بممارسات لا يمكن أن توصف إلا بأقل من (ضحلة) حتى يرسم لذاته قيمة، رغم أن القيمة الحقيقية لك كمدير يفرضها عملك، وحجم المنجز المراد تحقيقه، وحرصك على موظفيك، لا تصرفات طائشة ومحاولة تقمص شخصية ليست لك.

لذا عليك أن تعي أيها المدير المنتظر، أن المنصب ليس غاية، بل هو وسيلة لتحقيق أهداف مهنية، وأن تلك الوسيلة تتطلب صبرا وتسلحا مهنيا ضخما، فلا تبحث عن المنصب دع المنصب يبحث عنك.