ربما لا توجد عائلة ممتدة في السعودية لم يعان أحد أفرادها من هذه المشكلة، أو يعرف أحدًا إما قريبًا أو صديقًا عانى منها. معاناة هروب العاملات المنزليات أو بالعامية (مسلسل هروب الشغالات)، الموضوع انتقل من مجرد مشاكل فردية إلى مشكلة متشعبة بل أصبحت تجارة شبه منظمة لها لوبياتها أو بالأحرى عصاباتها التي تديرها بالخفاء بل الآن ربما العاملة المنزلية تأتي من بلدها وهي محملة بالأرقام ووسائل الاتصال لكي تهرب من مكفولها في أقرب فرصة وتتصل بالعصابة أو السمسار، الذي سيجد لها عملا غير مشروع وحتى لو كان الفارق في الراتب بسيطا، الموضوع الآن بعد أن أصبح مشكلة شبه مزمنة أيضًا صارت له أبعاد اقتصادية واجتماعية سيئة، الموضوع ليس مجرد هروب شغالة وتحضر بدلا منها بل له تبعات على المجتمع يمتد أثرها مطولا وهو ليس شيئًا ثانويًا أو مظاهر بل بعض العوائل تحتاجه وبشدة، ودعونا نبدأ بالجذور.

أولا، مجرد التقديم على عاملة منزلية يكلف تكاليف كبرى قد تصل إلى حوالي 25 ألف ريال هذا من غير الرواتب، والمستغرب جدًا أن المملكة تعتبر من أعلى الدول الخليجية كلفة في استقدام العاملة المنزلية بل ربما الأسعار تتجاوز ضعف تكلفة جيراننا لسبب يصعب تفسيره، وأغلب ما قيل من مبررات من بعض مكاتب الاستقدام غير مقنع، بل إن الظروف الحالية من كورونا والتي سببت بطالة وانهيارًا للاقتصاد في بعض الدول التي تصدر الأيدي العاملة، وهذا غير ارتفاع قيمة الدولار عالميًا مما قوى من قيمة الريال وكلها عوامل إيجابية لرخص الاستقدام، ومجرد إلقاء نظرة على أسعار الاستقدام في الدول الخليجية ومقارنتها بالأسعار لدينا تستطيع رؤية الفرق الهائل لمكاتب الاستقدام، وللأسف العديد من المواطنين يعاني من ارتفاع الأسعار رغم الحاجة الملحة.

ثانيا، لنفرض الآن أن المواطن جمع المبلغ الكبير نسبيًا لاستقدام عاملة منزلية وأن مكتب الاستقدام أحضرها في الوقت المحدد دون تأخير (هذا إذا كان المواطن محظوظا) والعائلة تداري الشغالة و(مدلعتها) كأنها جوهرة نفيسة، ومجرد بعد مضي وقت التجربة أو ربما قبلها فجأة تختفي الشغالة! حتى في بعض الأحيان بينما هي تعتني بالأولاد في البيت والأب والأم في عملهم، هذا إذا فرضنا جدلا أن ليس هناك خطورة على الأولاد وهذا إذا فرضنا أنها لم تسرق كم حبة ذهب أو مقتنيات ثمينة من البيت، فجأة تختفي كما يقول المثل (ملح وذاب) وتعال دور عليها!

في كثير من الأحيان تكون فترة التجربة انتهت وفلوس استقدام العاملة طارت، هذا غير الاضطراب الكبير في البيت من ناحية جدول الأب والأم والأبناء خصوصا إن كان الوالدان عاملين، حتى تأثير نفسي يمتد على الجميع بسبب البحث عن حلول بديلة مؤقتة مع أن ميزانية الأسرة أرهقت فعليا بالاستقدام! طبعًا مراجعات ومعاملات شرطة وجوازات وغيرها خصوصًا في حالة الهروب والسرقة.

بعد ذلك تذهب العائلة إلى مرحلة أخرى تسمى (المستجير من الرمضاء بالنار)، ألا وهي استئجار عاملة منزلية من بعض الشركات بالشهر، طبعا المبلغ الذي ستدفعه الأسرة للمكتب أو الشركة بالآلاف، ودون مبالغة راتب العاملة قد يصل إلى حوالي 4000 ريال، وهو يقارب رواتب بعض الموظفين بشهادات! وهذا يستهلك دخل الأسرة وربما يقارب من راتب أحد الوالدين!

المرحلة اللاحقة تجميع مبلغ معين للاستقدام من جديد لأن العاملة الشهرية مكلفة، وتبدأ دورة الاستقدام من جديد وأيضًا ربما يعاد السيناريو وتعاد الكرة وتهرب وتروح حوالي 25 ألف ريال أخرى وهكذا دواليك!

من المسؤول عن ضياع ملايين الريالات من مدخرات العوائل السعودية على عصابات وسماسرة تهريب الشغالات؟ لماذا الاستقدام لدينا أغلى نسبيا من العديد من دول الخليج؟، لماذا تنتشر هذه الظاهرة لدينا وأصبحت شبه مزمنة؟ هل هذه الظاهرة تؤثر على تحقيق بعض أهداف الرؤية من خلال تصعيب المهمة على المرأة السعودية العاملة وتقليص مساهمتها في سوق العمل والاقتصاد بسبب الاضطراب الذي يحدثه مسلسل هروب الشغالات للأسرة؟ مما يضطرها للإجازات وخسران أيام عمل منتجة وربما تترك عملها إذا لم تجد بدائل.

لذلك نرى ونوصي بالضرب بيد من حديد على عصابات تهريب الشغالات التي تستهدف مدخرات الأسرة السعودية والاقتصاد، ربما نحتاج جمع كل الجهات ذات الاختصاص من وزارة الداخلية والموارد البشرية والتجارة والخارجية وغيرها وتوحيد جهودهم لحل المشكلة، أو ربما إيجاد إدارة مختصة تشمل القطاعات ذات العلاقة من شرطة وبحث وجوازات وتجارة وموارد بشرية إلخ.. وتقوم بمتابعة ومراقبة هذه العصابات والسماسرة ومراقبتهم وإيقافهم وتدمير نشاطهم! وربما الغرامات وحدها لم تردع البعض بما أنه أصبح بزنس غير شرعي يجلب ملايين!

أما مكاتب الاستقدام فربما آن الأوان للجهات الحكومية لمناقشة الشركات والمكاتب وتوضيح صورة الغلاء غير المبرر في كثير من الأحيان من قبلهم أو ربما النظر في الحلول الأخرى للاستقدام وهي كثيرة (لمنطقة الأسعار) أي جعلها أكثر منطقية.