لماذا المثقفون السعوديون من الجيل الجديد ليسوا في مستوى جيل الثمانينيات، رغم أن الجيل الجديد حصل على امتيازات «وجود الإنترنت» بينما جيل الثمانينيات يسافرون لشراء الكتب وأحياناً «تهريبها»، وامتيازات «الابتعاث بأعداد كبيرة»، بينما جيل الثمانينيات كان «الابتعاث» بأعداد أقل.

ربما جيل الثمانينيات ومن خلال الصحوة دخل في اختبار حقيقي «لسؤال الثقافة كوجود ومصير أم كوجاهه؟»، وسؤال الثقافة الذي أقصده هو السؤال بالمعنى الواسع وبداخله أسماء عديده من «الشعراء والكتاب والفنانين» وللفن شعراً وموسيقى ومسرحا تاريخ يمكن اكتشاف بعض منعرجاته مع «عبدالرحمن الحمد» من الأحساء.

تشكل المثقفون على نمطين، نمط يحمل «ثقافة رخوة» تستر رخاوة بنائها الثقافي بلباس الأصالة والتمسك بالتراث، ووجدت في الغطاء الرسمي للصحوة آنذاك ما يجعلها تنتمي لحركة الإخوان المسلمين، أو تتعاطف معها من خلال ما سمي «الأدب الإسلامي»، ومن خلال هذه التسمية فقط دارت صراعات تذكرنا بالمثل القائل «من درى درى ومن لم يدر قال: قبضة عدس»، ويشبهها في زمننا هذا صراع يراه البعض بسيطا فيظنه قبضة عدس، ومن يدري يعرف أن مقال «القراءة النجدية» لمرزوق بن تنباك هو امتداد لما سبق في كتابه «حالة المجتمع السعودي وتحولاته» في سبيل «الخروج من ضيق الإقليم إلى سعة الوطن».


نعود لأنماط المثقفين، وأشرنا لنمط «الثقافة الرخوة» كخط عام لأدب «إسلامي» رافعته «كوادر الحزب» والمتعاطفين معه، من خلال أنشطة تعليمية في مراكز صيفية تصنع الكوادر بذائقة لا تفرق بين «الشعر والنظم» ولهذا تكاثر النظامون بينهم، وقد تناغم أصحاب «الثقافة الرخوة» مع كل ذلك واستطاعوا حتى في هذه المرحلة أن يتحقق فيهم المثل الشعبي «يرعى مع الراعي ويعدي مع الذيب».

النمط الثاني «الثقافة الصلبة» والمقصود بالصلابة هنا، هو وجود تكوين ثقافي يسمح بولادة فرد له موقف واع ومستقل من الحياة والناس امتلك معه الجراءة لاستخدام عقله، لنجد في أصحاب هذه الثقافة الصلبة شجاعة حقيقية في مواجهة «ثقافة الموت» في سبيل نشر «ثقافة الحياة/ فنون بأنواعها» مقابل ثقافة الموت التي تنزع عن أي فن جماله وصولاً لتشكيك الناس في تصميم أحد مطارات المملكة الكبرى باعتباره «تصميما وثنيا وله دلالات جنسية، راجع جريدة الشرق الأوسط 23 يونيو 2011 العدد 11895».

وللإجابة عن السؤال في أول المقال، يجب أن ندرك ونعي شدة الحرارة داخل فرن الثقافة إبان الصحوة، بخلاف ما يعيشه المثقف الآن من رعاية رسمية، هذه الرعاية الرسمية تجعل المثقف «أحياناً كثيرة» يتضايق لسبب بسيط أنها «رعاية واهتمام تشد القماط حول المثقف إلى درجة تربك ملكاته ومواهبه»، فالمثقف- في وجهة نظري- لا يحتاج إلى رعاية الدولة، بقدر ما يحتاج ثقتها، تلك الثقة التي جعلت شارل ديجول يرى في سارتر ورفاقه أنهم «أحفاد فولتير»، وجعلت القبيلة العربية تدرك أن انطلاق عنترة كفارس القبيلة وشاعرها الحر لا يكون وهو عبد لا يجيد إلا «الحلب والصر».

حرارة فرن الثقافة أيام الصحوة أخرجت لنا ما نسميه «مثقفي الثمانينيات» وما زال هذا الجيل حتى الآن يمثل- في رأيي- «متن الثقافة» وما جاء بعدهم- كاتب المقال من هؤلاء البعد- ليس إلا تهميشات بارعة في حذلقتها على جدران تاريخهم، وهم مع سابقيهم من جيل «حمزة شحاتة» مثلنا معهم.

شكراً لقائمة من الأسماء الطويلة من جيل الثمانينات المليئة بالطعنات والجروح، لتأتي بعدهم أجيال «مستجدة» لم يستفتحوا قراءة التعب شرقاً بكتاب السيد علي العوامي، وصولاً إلى كتاب أحمد عدنان غرباً عن أحلام محمد سعيدطيب، وغيرها مما نجهله أكثر وأكثر في وطن عظيم لم شتاته الموحد عبدالعزيز بأيدي الأجداد، مبايعين على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم تحت راية واحدة، اسمها كما اقترح بعض أبناء الشعب واستجاب المؤسس بالموافقة «المملكة العربية السعودية».

أيها «الشباب المستجد» كونوا أصحاب هم حقيقي بنهضة وطنكم بقدر ما تستطيع ثقافتكم، وما زاد على الاستطاعة فليس إلا ضياع النفس بين «غرورها أو خمولها»، فإن عجزتم عن الإمساك بوصايا راينر ريلكه «1875 /1926» في رسائله إلى أحد شباب زمانه فأرجوكم ثم أرجوكم، «قد تكون» الكتابة ليست لكم «إنما لبعضكم فقط»، انصرفوا كما يقول ريلكه إلى ما يعنيكم، يعني ذواتكم في أعماقها التي تنبع منها حياتكم الموات، قد تصلحون لأي شيء باستثناء «التفكير الحر».