يمر الخطاب النسوي في السعودية بمرحلة حرجة، لا تختلف عن المرحلة التي مر بها الخطاب الديني سابقا عندما تم تسييسه، فأصبح متخبطا ومنخرطا في مشاريع سياسية خارجة عن الإطار الوطني.

نعلم أن الطرح الفكري النسوي شكل تيارا مناوئا للتيار المحافظ، الذي جعل المرأة في قلب مشروعه الأيديولوجي، فأخذ يعارض أي عمل تقدمه الحكومة لتحسين أوضاع النساء، بداية بمعارضة تعليم المرأة وتوظيفها ومرورا بكل ما يتعلق بحياتها، و قد انضم للتيار النسوي آلاف من المتنورين رجالا ونساء في فترة تبلورت فيها مطالب واضحة للمرأة واستحقاقات كبرى، وقد وقفت الحكومة بجانب هذه المطالب وانتصرت لها، وقطعت شوطا كبيرا في تحسين حقوق المرأة، وسن القوانين الداعمة لاستقلالها وتمكينها ومساواتها بالرجل في المواطنة و الفرص.

وعند هذه اللحظة التاريخية فقط تميز بوضوح الخط الفاصل بين الخطاب النسوي الوطني المعتدل، والآخر القابل للاستهلاك السياسي، وهذا الأخير فضلا عن رفضه اجتماعيا، فهو لا يسجل أي نقاط في رصيد المطالب النسوية، بل هو متشكل أساسا ضمن أجندات سياسية يحركها الخارج.

لكن إشكالات النسوية تتجاوز مسألة الاختراق السياسي إلى الاستنساخ الفكري، وهذه معضلة أخرى يجدر بنا تفكيكها و معرفة تأثيرها بعيد المدى.

إن مطالب كالحرية الجنسية على سبيل المثال، أو المطالبة بتشريعات للعلاقات الشخصية الخارجة عن قيم المجتمع وتوجهاته أو التبشير بالإلحاد أو شيطنة الرجل، كل هذا نسخ مشوه لأفكار لا علاقة لها بالمسار الحقوقي الطبيعي للفكر النسوي، الذي يجب أن يكون نتاج بيئته، فيستهدف مشكلاتها الحقيقية ويصلح أحوال المواطنات، ويلامس همومهن اليومية المشتركة بعيدا عن التوظيف السياسي، بل إن مادة الخطاب المصادم للمجتمع هي أكثر ضررا على حقوق المرأة، من أي أيديولوجيا قمعت المرأة أو شككت في مطالبها المشروعة.

أعتقد أنه حان الوقت لنقد الخطاب النسوي من داخله، والعمل على إصلاحه حتى لا يتم اختطافه وإغراقه في فوضى المزايدات والاستقطابات، ليبقى خطابا وطنيا أخلاقيا يبني على ما تحقق وتستمر آثاره لتحسن حياة المرأة في المستقبل بشكل أكبر.

من جهة أخرى يذكر أن هيئة حقوق الإنسان السعودية نفت تجريم النسوية في السعودية، واعتبرتها شكلا مشروعا من أشكال التعبير، وأرى أن هذا الموقف الداعم يطرح فلسفة مناسبة لخلق مظلة رسمية وطنية، تسمح بإنشاء جمعيات نسائية مدنية تعمل وفق برنامج وطني، يتماشى مع مطالب المجتمع و تقطع الطريق على من يحاول تشويه العمل النسوي، أو اختطافه أو تحييده عن أهدافه الأساسية.