الدنيا يسر وعسر، واللهم لا تجعلنا من الشامتين، لكن عندما ترى أحدهم يرتكب الأخطاء واحدا تلو الآخر وفوق كل هذا متكبر ويحاضر على الناس ما يجب فعله أو لا يجب فعله، فهنا مشكلة تكبر وغرور يحتاج حلا بل إيقاظا له !

هذا ينطبق على أوروبا حاليا، الأوربيون الآن في أسوأ أحوالهم، الشتاء قادم واستعداداتهم مضحكة ومصادر الطاقة شحيحة ووضعهم لا يحسدون عليه ! وهذا كله بسبب غرورهم وعدم استماعهم لصوت العقل والواقعية، فالواقعية السياسية تكاد تكون معدومة عند الأوروبيين وخصوصا اليسار منهم.

تذكرون خطبة ترمب وتحذيره لألمانيا في الأمم المتحدة بخصوص استقلالية الطاقة، وتذكرون ضحك وزير خارجية ألمانيا هاس على خطاب ترمب وسخريته، الآن من الذي يضحك وكيف أصبح الشعب الألماني يبكي من ألم الطاقة والأسعار وبرودة الطقس، عموما العديد من السياسيين الألمان سذج عندما يأتي الموضوع إلى الذكاء السياسي، إذا استثنينا ربما تاريخيا بسمارك وهيلموت كول، وهذه السذاجة السياسية أدت إلى تدهور الحالة الأوروبية لأن ألمانيا كانت تقود أوروبا، وما ترجو من قارة يقودها قصير نظر سياسيا.

قبل سنوات كتبنا عدة مقالات، سمينا أوروبا باتحاد دول الموز الأوروبية وقلنا لولا الحماية الأمريكية لرأيت الجنود الروس يتمشون في وسط أوروبا، اعتقد البعض أننا نبالغ لكن كنا نرى بوضوح أن الاتحاد الأوروبي أصبح رجل العالم المريض، وأن أوروبا لم تعد تملك مقومات الدول العظمى خصوصا مع ضعف الرؤية السياسية، لكن أوروبا بقيت بكل وقاحة وبجاحة تحاضر على بقية دول العالم وخصوصا على دول الخليج، توقعنا بعد أزمة كورونا أن تتعلم دول أوروبا الدرس وتتواضع، خصوصا بعد المعالجة السيئة لأزمة كورونا وبعد السرقات للأدوات الطبية من بعضهم البعض، ونسوا التحضر والحضارة، وهذا غير أنهم تخلوا عن بعض دول أوروبا وقت الأزمة.

دول أوروبا كانت تتعامل بكل تكبر مع الخليج وتضع شروطها كأنها من عالم آخر، حتى اتفاق التجارة الخليجي الأوروبي تأجل لعشرات السنين بسبب التعنت الأوروبي ومحاولتهم إدخال شروط لا تتصل بالاتفاق من قريب أو بعيد، حتى أن بريطانيا تركتهم وغادرت الاتحاد الأوروبي، نتيجة رؤية السياسيين البريطانيين المحنكين أن الاتحاد الأوروبي يسير للاتجاه الخاطئ، وأنه سيضرب بجدار كما يقول المثل !

لا نستطيع أن نعمم أن كل دول أوروبا تنظر بغرور ودونية لبقية العالم وخصوصا الشرق الأوسط، هناك دول واقعية إلى حد ما وربما تسعى لعلاقات طبيعية ندية مع بقية دول العالم، لكن ما يمنعها هو النفوذ والأثر السيئ من ألمانيا وفرنسا وغيرهما.

أعتقد أنه آن الأوان لدول الخليج أن تضع النقاط على الحروف مع الأوروبيين، وتكون العلاقة ندية تماما ومتساوية، وشركاء دون دونية أو شروط يسارية، من الأفضل أن يتم إيقاظ السياسيين الأوروبيين من أحلام التكبر ويرجعوا للواقعية أثناء المباحثات واللقاءات الدبلوماسية الخليجية-الأوروبية.

لسنا نحاول أن نستغل الوضع الحالي، لكن الوضع الحالي فرصة ملائمة لإعادة معايرة العلاقة الخليجية الأوروبية.