يا عمي سيبك منه ما أسرحه على رأسين من الغنم. لكن عاد أيش نقول في الحظ اللي رفع ناس وخذل ناس. يا رجال صدقني ما عند فلان ما عند جدتي، غير الحظ إذا أقبل أعطي، في ناس متعلمين وعباقرة بس حظ بح.

هذا كلام يدور في المجالس عن كل من نجح عملاً أو تجارة، أو في ضرب من ضروب الفن، يقولون أيضاً من قام حظه باع له واشتري له.

ينسبون نجاح المبدعين إلى الحظ، فهل فعلا إن الحظ كل شيء أو نصفه أو إنه لا شيء؟.

يقول أبو العلاء المعري:

يجالد محروم على الأمر فاته *** وأحرزه بالحظ من لم يجالد

سميت نجلك مسعوداً وصادفه *** ريب الزمان فأمسي غير مسعود

ويقول:

ولا تطلبن بغير الحظ رتبة *** قلم الأديب بغير حظ مغزل

الشاعر السوداني إدريس جماع يقول:

إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه *** ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه

صعب الأمر عليهم ثم قالوا اتركوه *** إن من أشقاه رَبي كيف أنتم تسعدوه

هناك أسطورة لطيفة عن الحظ، يقال إن هناك شخصا اسمه موكوس يقيم في مدينة من المدن عانى الأمرين في حياته، لا مال ولا عيال، حاول في حياته طرقاً كثيرة ليعدل حاله المائل ولكن هيهات، فقيل له يوجد حكيم في قرية تبعد مسير يوم أو نحوه، يقصده القاصي والداني ليعطيهم استشاراته، فذهب موكوس إلى تلك القرية وقابل الحكيم وشرح له وضعه، فتنحنح الحكيم وقال يا بني حالتك واضحة حتى لمن لا يبصر ولا يعقل، إن حظك يبدو نائماً، فرد وكيف أجعله يصحو، رد الحكيم اِئتني غداً أكون قد قرأت واطلعت واستخرت لعله يأتيني طيف وينبئني بالخبر، فأتاه في اليوم التالي، فقال له أبشر بسعدك لقد راودني حلم ومن خلاله تأكدت مما قلت لك، فحظك نائم من سنين عدة في كهف في جبل الخير في أطراف قرية السعادة، فرد الرجل وكيف أصل إليه، فأعطاه الحكيم Gps تلك الأيام خارطة طريق بالوصف وبالنجوم.

جدّ موكوس في المسير، وفي طريقه وجد أسداً نحيلا يئن من المرض، فسلم عليه وقال له هل تعرف قرية السعادة؟، قال لا أعرفها ولكن سمعت أنها في الشمال، وفي طريقك ستجد من يدلك، ولكن لماذا تسأل؟، رد لأن حظي نائم هناك وأريد أن أوقظه من نومه، وأسأله ماذا أفعل ليصلح حالي، فدعا له الأسد بالتوفيق، وطلب منه أن يسأله عن مرضه وكيف يتعالج منه، وواصل موكوس سيره فوجد مجموعة من الناس على قارعة الطريق، وأحوالهم لا تبدو جيدة، فسلم وسأل عن الطريق، فقيل له هناك مدينة ستمر بها وهم أناس متحضرون ربما لديهم العلم اليقين، ومن باب الفضول سألوه لماذا يسأل، فقص عليهم الخبر فطلبوا أن يسأل حظه لماذا كل ما حاولوا أن يزرعوا أرضهم لا تنبت، فوعدهم، واستمر في سيره حتى وجد المدينة، وكانت تبدو عليها سمات التمدن والحضارة، فسأل بعض المارة عن هدفه فقيل له إن ملكتهم تمنع أن يعطى أي زائر أية معلومةً قبل أن ينزل في ضيافتها ثلاثة أيام، فذهب إلى القصر الملكي، وعرف الحاجب بنفسه فأدخله على الملكة التي رحبت به، وبعد مضي ثلاثة أيام طلبته وسألته مراده فحكي لها، فقالت سيدلك الحراس على طريق السعادة، وطلبته أن يسأل حظه حيث إن المملكة تعاني من بعض شذاذ الآفاق وغزواتهم بين حين وآخر، مما أخر تقدم مملكتها، عن الحل معهم، فوعدها ومضى حتى دخل قرية السعادة وسأل عن جبل الخير، فدلوه عليه، وعندما وصل الكهف وجد حظه بصفة رجل كهل نائم ويشخر، فأيقظه، فصحا الحظ، وبادره أأنت فلان. قال نعم وجئت أوقظك فقد جاءني من نومك مصائب كثيرة، فرد الحظ كنت أنتظر ان توقظني فالنوم سلطان، فقال والحل يا حظي؟ فرد لا تهتم، لقد صحوت الآن وأمورك كلها ستتيسر، فسأله عن أحوال من مر بهم فأعطاه إفادات ونصائح لهم، وعاد وقابل الملكة فاستضافته ثم سألته بماذا نصح حظه، فقال إن نصيحته هي أنها لن تصلح المملكة إلا إذا تزوجت الملكة رجلاً من خارج الديار، فأطرقت الملكة رأسها، ثم قالت ما رأيك أن تتزوجني وتكون حاكم البلاد، فرد عليها هذا شرف عظيم لكن أنا حظي قام، ورغبتي أرجع ديرتي مع ربعي، ويشاهدون كيف أن الحظ هو الذي خذلني وأنني كفء، فقالت على راحتك، وفي طريق العودة قابل أصحاب الأرض وأفادهم أن تحت أرضهم كنوز من ذهب، ولذلك لا تنبت فعليهم إخراج الذهب وستصلح أرضهم للزراعة، فقالوا له ابق معنا ولقاء سعيك سنعطيك خمس الأرض بكامل ما فيها، فرد بروح ديرتي فحظي قد نهض، وسبق أن عرضت علي الملكة أن أتزوجها فاعتذرت لها عن عدم القبول، قالوا: من حقك أن تختار حياتك، وقابل الأسد فسأله الأسد بلهفة طمني، ماذا قال الحظ وهل أنت واثق من مشورته، رد نعم وحكي له ما دار بينه وبين الملكة وأصحاب الأرض، فرد الأسد والله باين على حظك فاهم، المهم ماذا نصح أن أفعل، فرد يقول علاجك هو أن تأكل أول حمار تصادفه، فافترس الأسد الأستاذ موكوس.

وأعتقد أن المثل الذي يقول "إذا درت نياقك فاحتلبها" لم يسمع به الموكوس من قبل.

يقول عمر الخيام:

إن لم يكن حظ الفتى في دهره *** إلا الردى ومرارة العيش الردي

سعد الذي لم يحيَ فيه لحظة *** حقاً وأسعد منه من لم يولد

ويقول مسعود سماحة:

ولي حظ دهاه ما دهاني *** وأصبح ما عراه ما عراني

أيمم حيث هو فلا أراه *** ويقصد حيث كنت فلا يراني

ويخالف هؤلاء كلهم الشاعر الزهاوي، فيقول:

شكا الجدَّ الذي عثرا *** وذم الدهر مبتدرا

وقصر في مساعيه *** فبات يعاتب القدرا

بالنسبة لي ومن تجاربي أقول، إن الحظ مهم. ولكن لا يأتي إليك، لا بد أن تذهب إليه، فإن صادفته فهذا نتيجة جهدك بعد توفيق الله، ثم إذا هبت رياحك فاغتنمها.

حظوظنا حدر أعيننا وإرادتنا ورهن نقاوة تفكيرنا، الحظ يحتاج أيضا إلى إرادة، وهناك مثل يقول "إن الحظ لا يطرق الباب مرتين"، الحظ قد يطرق بابك، لكن لا يفتحه.