فيما تتواصل أعمال المرحلتين الثانية والثالثة من مشروع التأهيل البيئي لوادي قناة الذي تشرع أمانة منطقة المدينة المنورة بتنفيذ مراحله على نطاق 16 كلم، تساءل كثيرون عن مصير صناعة الفخار التي اشتهرت في المدينة المنورة واتخذت مصانعها من الوادي مقرا لها.

ويهدف مشروع تأهيل وادي قناة إلى تحقيق الوظيفة الرئيسية منه كمصرف لمياه الأمطار والسيول، والاستفادة منه متنزها طبيعيا، وجعل بيئته خالية من الملوثات، للوصول إلى أعلى معدلات التنمية البيئة، إضافة إلى توفير فرص استثمارية في نطاقه تنسجم مع بيئته.

وتضمن المشروع في مرحلته الأولى إنشاء حديقة بمساحة 70000 متر مربع مطلة على الوادي ومجهزة بالجلسات وممرات المشاة وركوب الدراجات، إلى جانب تهذيب الوادي وزيادة الطاقة الاستيعابية لفيضانات مياه الأمطار ومصبات الأودية، وتخصيص مواقع في الوادي تلائم الطبيعة، وتكون متنفساً لأهالي المدينة المنورة وزوارها.

صناعة تراثية

تمتلك مصانع الفخار في المدينة المنورة إرثا قديما، يعود إلى عهد بعيد، وإن كان كثير منها قد اندثر، حيث لم يبق سوى مصنع واحد يعمل حتى الآن ويصنّع الإزار والأكواب والمشربيات والحقول الفخارية للنحالين.

وكانت تلك المصانع تمتد على الوادي شرق وشمال المدينة المنورة، وبقيت آثار أفرانها تدل على وجودها.

وتؤثر أفران الفخار على البيئة المحيطة بها، لذا فإن امتداد المناطق السكنية قريبا منها يستلزم نقلها، وربما يتعارض مع التأهيل الذي يجري حاليا في الوادي لتحويله إلى منطقة تخدم هدف تحسين جودة الحياة.

صناعة لها تقاليد

تعد صناعة الفخار في المدينة المنورة، صناعة ذات تقاليد، حيث يقوم العاملون فيها بتصنيع الأدوات المختلفة وحقول النحالين في عملية تستغرق عدة أيام من تكوين الطين وتجفيفه وغربلته ومن ثم تخزينه قبل وضعه على آلة التصنيع وتحوير المكونات حسب الطلب.

واتجهت تلك المصانع للعمل على الوادي مستفيدة من استخدام طينه الذي يعد من أفضل أنواع الطين، وقد حصلت على تراخيص للعمل في هذا المجال وفي هذا الموقع منذ أكثر من 60 عاما.

سفر في التاريخ

يوضح الباحث في معالم السيرة النبوية عز الدين المسكي لـ«الوطن» أن صناعة الفخار تعد من أقدم الصناعات في تاريخ البشرية، وهي تعتمد على الطين بشكل أساسي، وقال «لذلك نجدها مرتبطة بأماكن توافر الماء العذب مثل الأودية والأنهار، وقد ازدهرت هذه الصناعة في المدينة المنورة منذ فترات مبكرة لتوفر المادة الأولية لها والمتمثلة في الماء والتربة الناعمة».

وأضاف «كانت بطون الأودية من أهم مصادر الطين مثل وادي بطحان ووادي العقيق المبارك، وبعد ثوران بركان 654 للهجرة وامتداد اللابة ـ وهي الحجارة السوداء التي يأتي بها البركان ـ إلى أطراف المدينة الشمالية الشرقية، تكون حوض العاقول الذي يشكل بحيرة من الماء العذب عند سيلان وادي الخنق الصادر من قرقرة الكدر (قاع حضوضاء)، فكان المصدر الأكبر والأهم للطين، لذلك نجد مصانع الفخار نشأت على شاطئ وادي قناة شمال المدينة قرب جبل أحد قريبا من منطقة العاقول، إضافة إلى مصانع أخرى كانت في منطقة المغيسلة قرب مجرى وادي بطحان».

خصائص مميزة

أشار المسكي إلى أن «التربة الطينية في المدينة المنورة تميزت بخصائص طبيعية جعلتها تنتج أفضل أنواع الفخار الذي تصنّع منه أوعية حفظ الماء مثل القلال والجرار و«الأكواز» وغيرها، لما تتميز به من مسامية تساعد في عملية تبريد الماء بكفاءة عالية».

وتابع «لم تقتصر صناعة الفخار على الأوعية فقط بل كانت هناك منتجات أخرى مثل طوب الآجر وأنابيب التصريف الصحي في المنازل والتي تسمى البرابيخ، وهناك منطقة نسبت لصناعة هذه الأنابيب على مجرى وادي بطحان».

وقد وردت في السيرة النبوية والأحاديث الشريفة أنواع من الأوعية الفخارية مختلفة الأحجام والأشكال والألوان مثل الحنتم والمقير والمزفت والجرات، وكانت تستخدم في حفظ وتخزين عدد من الأطعمة والمشروبات كالتمر والسمن والعسل.

الأشهر في التاريخ

بين المسكي أن أشهر جرار الماء في التاريخ المدني (تاريخ المدينة المنورة) فكانت جرار الصحابي سعد بن عبادة الذي وضعها على قارعة الطريق شمالي سوق المدينة قديما ليسقي بها الماء منها صدقة عن أمه بعد وفاتها، وكان ذلك بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم.

الوادي الأكبر

يذكر أن وادي قناة يعد من أهم وأكبر أودية المدينة المنورة، وعُرف عند أهلها بسيل سيدنا حمزة بن عبدالمطلب -رضي الله عنه-، كونه يمرّ من منطقة سيد الشهداء.

وتجري المياه في هذا الوادي من مصادر عدة قريبة وبعيدة كالشعاب والأودية المنحدرة من الجبال والحرّات.

وتذكر المصادر التاريخية أن هذا الوادي جرت فيه المياه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إثر دعائه بطلب الاستسقاء، كما وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه -رضي الله عنهم- بجواره أثناء معركة أحد.