الأحداث العظيمة في تاريخ الأمم والأيام التاريخية التي لها آثار عظيمة في حياة الناس؛ جديرة بالوقوف عندها وقوف التأمل، ولا غرابة فهذا هو اللائق بها، فقد جعل الله لكل شيء قدرا، ومن الحكمة أن نُعْنَى كثيرًا باستخراج الدروس والعبر من مثل هذه الأيام التاريخية الذائعة، ودُروس الماضي وعِبرُه شحْذٌ لهمم الأجيال وصلةٌ وثيقةٌ بالتراث الأصيل وارتباطٌ رائع يثمر مستقبلًا ذا رسوخ.

ومن هذه الأيام اليوم الذي وحَّد فيه الملك المؤسس -رحمه الله- هذه البلاد المباركة تحت اسم «المملكة العربية السعودية» وذلك في الثاني والعشرين من جمادى الأولى 1351 الموافق الثالث والعشرين من سبتمبر (أيلول) 1932.

صدر الأمر الملكي الكريم بهذا وجاء فيه «بعد الاعتماد على الله، وبناءً على ما رُفع من البرقيات من كافة رعايانا في مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، ونزولًا على رغبة الرأي العام في بلادنا، وحبًّا في توحيد أجزاء هذه المملكة العربية؛ أمرنا بما هو آت».

وفي هذه المقدمة معان جميلة: الاعتماد على الله والتوكل عليه وهو أساس وأصل عظيم لكل خير، وقوةٌ وعوْن من الله تعالى في كل ما تقصده الشعوب والأفراد من أمور ومطالب، ومن المعاني الطيبة فيه: الحرص على المصلحة العامة ومراعاة رغبة الرأي العام، وعلى هذا كانتْ بلادنا وقامتْ وبهذا النهج الرشيد امتدت واستمرت ومن ثم كان الوئام اللافت للأنظار بين الراعي والرعية في هذا البلد الكريم.

في هذا اليوم يجدر بنا أن نتعرف على تاريخ هذه البلاد وجهود الملك المؤسس وشخصيته وسيرته فإن وراء هذا الكيان الشامخ والبناء العظيم -الذي هو المملكة- والذي نتفيأ ظلاله وننعم بالخيرات والمقدرات التي فيه، وراء ذلك تاريخ عظيم وتضحيات وبطولات، فرحم الله الملك عبدالعزيز وجزاه خير ما جزى ملكا وقائدا عن رعيته ودولته، ورحم الله أبناءه الذين صانوا البناء وطوَّروه وحفظوه ورعوه حتى بقي عزيزا منيعا بفضل الله تعالى وقوته، وإلى ما شاء الله.

إن ارتباط المرء بوطنه والإنسان بتاريخه وتراثه ركن ركين في استقرار حياته ووضُوح هدفه وإنما يُعطي التاريخ دروسه وعبره لمن قرأه متدبرا ووقف عند أحداثه متأملا، شاكرا لأنعم الله قبل كل شيء، ومزجيا الشكر لمن أجرى الله النعم على أيديهم، وذلك بالدعاء تارة، والذكر الحسن تارة أخرى، وبنشر مآثرهم وتاريخهم العطر مرة ثالثة، وبتوضيح ما قد يلتبس على بعض المغَرَّرِ بهم تارة رابعة.

وإذا كان لمن مضى من الملوك وولاة الأمر حقٌّ فإن لمن بقي منهم حقًّا كذلك يتمثل في الدعاء بظهر الغيب وغيره، والتكاتف والتعاون لغدٍ أفضل محفوظٍ من كل مكروه وسوء.

رحم الله الملك عبدالعزيز وجعل مأواه الفردوس الأعلى من الجنة فقد تحقق ما أراده لشعبه حال حياته، ثم أكمل أبناؤه البررة من بعده ما بدأه، فساروا بسيرته، ونهجوا نهجه، حتى أضحت بلادنا في حقبة زمنية قصيرة في عمر الدول تُطاول دول العالم وتحتل مكان الصدارة.

والواجب علينا ونحن نعيش الذكرى الثانية والتسعين لهذا الكيان العظيم أن تتحد كلمتنا مع قيادتنا الحكيمة بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وأمده بالنصر والتمكين وولي عهده الأمين حفظه الله ووفقه وسدده، وأن نكون يدًا واحدة تبني وتنتج وتطور وتشيد.