تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام مقطعا لأحد المختصين في المجال الحاسوبي، يقول فيه، إن الطفرة البشرية القادمة ستكون في الغالب إلكترونية، وفحوى كلامه أن الجيل الذي سيشكل طفرة انتقالية في جنسنا البشري سيكون جيلا إلكترونيا، بشر آليون سيشكلون تطورًا جديدًا في تاريخنا البشري القصير. وذكر كذلك أن الأجهزة ترى وتسمع وتتكلم وتحلل، وأن الروبوتات تتحدث فيما بينها وقد فصلوا عنها التيار الكهربائي حتى لا تصنع قرارات ضد البشرية.

وفي المقابل هناك من الدراسات والتقارير العلمية ما تشير إلى أن العصر القادم سيتجه للعلوم الأدبية والفنية والروحية، وأنه قد شارفنا الآن على نهاية عصر الثورة المعلوماتية، ووصفه بعضهم بأنه عصر الحكمة، ويتجلى في وعي الإنسان بروحه لكي يضفي نوعا من الاعتدال على جوانب حياته المختلفة. وهناك نماذج من العلماء في الشرق والغرب الذين وصلوا في نهاية حياتهم إلى قناعة أهمية العيش في حب وسلام، وأن العصر الآن يتجه إلى الحكمة والإيمان بعيدا عن المادية التي طغت على عصور سابقة.

يقول المختصون إن الوظائف في العصر القادم تسير مع الوظائف الأدبية والفنية، وأن الكثير من الشركات اليوم تسعى لتوظيف خريجي العلوم الإنسانية مثل التاريخ والفن والموسيقى والأدب وعلم النفس وعلوم الروحانيات، وذلك لارتفاع الحاجة لهذه التخصصات، فهؤلاء الخريجون سيكونون قادرين على التحليل والفهم والتعاطف في العلاقات الإنسانية، هؤلاء لديهم القدرة على فهم سيكولوجية الآخر والتعامل معهم على هذا الأساس.

شركة أوبر مثلا الخاصة بتوصيل الركاب أصبحت توظف الآن خريجي علم النفس كونهم لديهم المعرفة في فهم نفسية الراكب سواء كان سعيدا أو غير سعيد، ولديهم كذلك الحلول لتغيير سيكولوجية الراكب.

شركة أوبن الأمريكية والتي تحجز طاولات المطاعم أخذت في توظيف خريجي قسم الأدب الإنجليزي، لما لديهم من قدرة على جمع بيانات المطاعم بكل لغاتها وأصنافها.

اليوم بعض المستشفيات في العالم توظف خريجي الموسيقى وهناك دراسات سريرية عن موسيقى موزارت أثبتت أن لها تأثيرًا إيجابيًا في الأشخاص المكتئبين، تساعدهم على التعافي وتخفف من آلامهم.

وكشفت دراسات حديثة أن أدمغة مرضى الصرع تظهر ردود أفعال مختلفة عند سماع الموسيقى، بشكل مختلف عن أدمغة الناس، دون هذا الاضطراب وهذا ما أكدته جمعية علم النفس الأمريكية (APA)، وأن الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الجاز يمكن أن تستخدما في مساعدة الأشخاص الذين يعانون من الصرع وتعزز وظائف المخ، خصوصًا في الفص الصدغي، وتعمل على تنظيم حركة المخ، وبالتالي تقلل من فرص الإصابة بنوبة صرع. هناك فوائد عديدة لا مجال لحصرها في هذه الزاوية.

اليوم النظرة للعلوم الفنية والأدبية تغيرت وتطورت مثل اللغات، الفن، التاريخ، علم الاقتصاد، علم الأخلاق، الفلسفة، العلوم السيكولوجية ،وبرامج التطوير الإنساني يمكنها جميعا أن تلقن المهارات ذات القواعد النقدية، الفلسفية والأخلاقية والتي ستكون مهمة ورئيسة في تطوير وإدارة كل الحلول.

دراسة الأدب والفنون لا تخلق فقط وظائف للشباب والشابات، بل تخلق إنسانا أكثر رقة وسكونا وبكل تأكيد أقل عنصرية، فمن النادر بل من المستحيل ،أن تشاهد كاتبا أو أديبا فذا يقتات على مائدة الكراهية.