تشكل حياتنا سلسلة من الأحداث المتلاحقة التي تبدأ من ولادتنا مرورًا بفترة الطفولة المبكرة والمتأخرة والشباب ومن ثم الكهولة والشيخوخة، وكل مرحلة لها سماتها التي نتأثر فيها بمجموعة من المتغيرات التي ترسم طريقنا في الحياة، كما أن كل مرحلة من هذه المراحل المتلاحقة يحدد فيها كل منا عددًا من الأهداف التي يريد تحقيقها إما بطريقة واعية، أو السير حسب خطط مرسومة خصوصًا في مرحلة الطفولة.

وعند تجاوز تلك المرحلة يتكامل التفكير عند الإنسان وتبدأ مرحلة رسم أهداف الحياة في مرحلة الشباب، والمشكلة تبدأ هنا، حيث يعاني الكثير منهم من تخبط في رسم الأهداف، وكثيرًا ما تكون تلك الأهداف ضبابيةً وغير واضحة وكثيرة ومتغيرة، وقد تكون في أحيان أخرى محلقةً وغير واقعية، ولكن المشكلة الكبرى هي الوصول إلى مرحلة اللا أهداف، أو العيش بهامشية بعد مراحل من الإخفاقات المتعددة، واليأس من رسم المزيد من الأهداف بسبب التعثرات السابقة أو الرضا بالموجود، والقناعة بمقولة القناعة كنز لا يفنى.

ولتفادي الوصول إلى مرحلة اللا أهداف الخطيرة والتي تصبغ حياة الكثير منا، لا بد لنا أن نتعلم بل نتقن كيفية بناء أهدافٍ متنوعة وممكنة التحقق في مختلف مراحل حياتنا، ومن أفضل نماذج صياغة الأهداف وأسهلها استخدامًا نموذج الأهداف الذكية (SMART GOALS)، وهو نموذج يتضمن مجموعة من المعايير التي تسهم في صياغة أهداف حقيقية وواقعية، ويمكن تحقيقها (بإذن الله) برسم خطة واضحة لها في كل مرحلة من مراحل الإنجاز.

أول هذه المعايير أن يكون الهدف محددًا أي يحوي ناتجًا واحدًا قدر الإمكان حتى يمكن العمل بدقة على تحقيقه، وثانيها أن يكون قابلًا للقياس بطريقة كمية قدر الإمكان مثل أن يتضمن عددًا محددًا مطلوب تحقيقه، أو نسبة مئوية للإنجاز، أو مقارنة مع محكٍّ عام يمكن الرجوع إليه عند المقارنة، وثالثها الواقعية لأن الأهداف التي لا تتواءم مع الإمكانيات أو تتجاوز الحدود الأخلاقية أو القانونية أو الاجتماعية تكون أهدافًا فاشلة ولا فائدة من ورائها، وهذا النوع من الأهداف السلبية هو السبب وراء كثير من النهايات المأساوية للكثيرين، ووصولهم إلى حافة الهاوية أو السقوط بها بسبب عدم تحقق هذا المعيار المهم من معايير بناء وصياغة الأهداف، ورابعها أن ترتبط بحياة الشخص مباشرة، أي أن تكون في محيط تأثير وتأثر راسم الأهداف ذاته، والبعد عن الأهداف التي يتضاءل فيها نصيب الشخص وتغلب عليها التضحية من أجل آخرين قد لا يستحقون تلك التضحية، وخامس تلك المعايير وضع إطار زمني محدد لتحقيق الهدف، والبعد عن تلك الأقوال التي لا طعم ولا لون ولا رائحة لها مثل (خذ وقتك، والحياة فانية، وأنفق ما الجيب يأتيك ما في الغيب) وغيرها من الأفكار التواكلية.

إن عدم تعلم كيفية رسم أهدافنا بدقة قد يوقعنا نهاية في التوقف عن الإنجاز في الحياة، والتقوقع في حيز اليأس بسبب تكرار الإخفاقات، وهنا سنفقد سر الوجود، كما قال فيدور دوستويفسكي مرةً: «سر الوجود البشري ليس في البقاء حيًا، بل في إيجاد ما تعيش لأجله».