ما يجري حولنا في العالم من قتل ووحشية وسفك دماء، كل ذلك يشير - عندي - بما لا يدع مجال للشك إلى أن سببه الجوهري هو الكراهية. اليوم أصبحت مشاعر الكراهية صانعة للمجتمعات والحضارات المختلفة، سعتها تتزايد يومًا بعد يوم وسنة بعد سنة بل وعقدًا بعد عقد، إنها مشاعر قادرة على تحريك الأحداث بطريقة عجيبة وغريبة.

وبقدر ما نجد الكثيرين يرددون مقولات تذم الكراهية والعنصرية وجميع مكونات هذه العائلة البغيضة، إلا أنها لا تعدو أكثر من مقولات مكررة وأحاديث مرسلة، حتى إذا اشتعلت الأزمات المرتبطة باللون والعادات والتقاليد والمذاهب والطوائف، إذا بهم ينقلبون وحوشًا كاسرة لا رحمة فيهم، بل ويغمسون أنيابهم بكل شراسة ويفرحون بدم الأعداء، وهنا تتبخر كل مقولاتهم وأسطوانتهم المشروخة في ذم الكراهية والعنصرية، هؤلاء يصدق أن يطلق عليهم (دعاة الكراهية).

أما دعاة التسامح فهؤلاء لا يخلّدهم التاريخ إلا فيما ندر، ومع حضور عدد منهم في التاريخ الحديث على شاكلة غاندي أو مارتن لوثر كنغ أو نيلسون مانديلا، إلا أن ذكرهم بين البشر يأتي من باب تطهير الذات من إثم الكراهية، لا في سبيل تحقيق التسامح وقبول الآخر.

قبل يومين احتفل المجتمع الدولي بالذكرى السنوية لليوم العالمي لنبذ العنف، والذي يتزامن مع الذكرى السنوية الرابعة والسبعين لميلاد المهاتما غاندي، الزعيم الروحي للهند، والذي عمل على نشر ثقافة التسامح في جميع أنحاء العالم، ويحتفي الهنود سنويًا بيوم ميلاده، ويعدونه عطلة وطنية رسمية تكريمًا لروحه.

غاندي يعد نموذجًا فريدًا من نوعه، صانعًا لفن التسامح واللاعنف، الفارق بينه وبين غيره من عظماء التاريخ، أنه من القلائل، من أصحاب الرسالة الإنسانية، الذين تمكنوا من البدء باستكمال مشروعهم الإنساني وهم أحياء. لذا فإن الموت الذي غيبه كان مجرد رحيل لجسد، أما فكرته ومشروعه بإمكانية التصدي للعنصرية والانتصار عليها بالوسائل السلمية، فقد ترسخت وتجذرت في وعي الكثيرين.

ولعل اغتيال المهاتما غاندي على يدي المتطرف الهندي ناثورم جوتسي، الذي كان مرتبطًا بتنظيمات هندوسية متطرفة هو خير شاهد على قوة غاندي في تصديه للكراهية والتطرف، والنتيجة أن الهند أصبحت نموذجًا للتنوع والتعددية، فالتنوع في الهند بقدر تنوع الألوان الطبيعية وغير الطبيعية، الدستور الهندي مثلاً يعتمد 22 لغة، الهند هي الأكبر من حيث عدد السكان في العالم، إذ تجاوزت مليار إنسان منذ زمن.

اليوم الوضع في الهند ليس مشرقًا كما كان سابقًا، ففيه عنصرية وتشدد، الهند التي كافحت بشدة انقساماتها الكبيرة، التي وظفت تنوع أعراقها وأطيافها للتعددية لا للنيل منها، التي كان لها رؤساء مسلمون، في حين أن تعدادها الأكبر هو من الهندوس، اليوم تصدر قانونًا يمنع تجنيس المسلمين، وقد رجعنا للمربع الأول أي ما قبل غاندي والخطاب العنصري العرقي البائد.

كنت أعتقد أن آفة الكراهية بجميع أشكالها انحصرت في شرقنا الأوسطي المسكين ، كنت أعتقد أن منطقتنا العربية تتلوث فيها النفوس بالكراهية وإلغاء الآخر أكثر بكثير من تلوث الهواء، إلا أن أوبئة البشر مع الأسف تخطت كل الحدود الجغرافية.

أخيرًا أقول: لن يصنع معنى لهذا الظلام سوى أنوار نفوس قادرة على محاربة الكراهية من أمثال غاندي.