في فيلم «مرجان أحمد مرجان» (2007)، كان عادل إمام يمثل دور رجل أعمال ناجحًا (مرجان)، ورغم نجاحه في مجال الأعمال إلا أنه لم يكن يحمل مؤهلا جامعيا، فقرر أن يدرس في الجامعة التي يدرس بها ابناه (علياء) و (عدي) ليحصل على البكالوريوس. عند دخوله للجامعة، بدأت قصته بتطبيق ما تعلمه في عالم المال والأعمال عندما بدأ التبرع للجامعة لبناء بعض المرافق، وتكوين علاقات وثيقة مع جميع أطياف المجتمع الطلابي، وترشحه لرئاسة كرة القدم وكذلك فريق التمثيل في الجامعة. كانت الغالبية معجبة به وتحاول أن تتقرب منه، إلا أن أستاذة مادة الحضارة (جيهان)، التي لعبت دورها ميرفت أمين تعتقد أنه «جاهل» ويريد الحصول على الشهادة الجامعية باستغلال نفوذه.

أراد مرجان أن يترك انطباعا جيدًا لدى جيهان، فطلب من إدارة الجامعة أن تقيم أمسية شعرية لحصوله على جائزة المجلس الأعلى للأدب والشعر، من خلال ديوانه المعنون بـ «أبيع نفسي»، الذي اشترى قصائده من شاعر مغمور ومعدم في إحدى المقاهي. فقدم قصيدة «الحلزونة»، التي جاء فيها:

«الحلزونه يمّه الحلزونه... الحلزونه قوّا متاهه، والحلزون لما استناها، هِربتْ ووئعت قّوّا البير...». هذه القصيدة، رغم فكاهيتها، تجعلنا نستحضر مبدأ «واجب العناية» الذي أقره مجلس اللوردات البريطاني (1932) ـ المجلس كان يتمتع بسلطة قضائية للنظر في قضايا الاستئناف حتى عام 2009 ـ والذي أسس لقانون «الإهمال» في القانون الغربي.

فما يهمنا من المنظور القانوني، هو عندما «هربت الحلزونة ووقعت في البير». فهذا المقطع من القصيدة يذكرنا بقضية المواطنة الاسكتلندية ماي دونغيو ضد شركة ستيفنسون (الشركة المصنعة لبيرة الزنجبيل). بدأت القصة في أغسطس 1928، عندما قابلت ماي دونغيو صديقتها في إحدى مقاهي غلاسكو في إسكتلندا.

إن دونغيو أتت بالقطار لتقابل صديقتها، قامت صديقتها بواجب الضيافة بشراء بيرة زنجبيل لها، بينما هي اشترت آيس كريم. يقال إن دونغيو في ذلك الوقت كانت تعاني من بعض الضغوطات النفسية لأنها في حالة «طلاق» مع زوجها.

لم تعلم دونغيو حينها أنها كانت في لقاء مع تاريخ القانون الغربي، كل ما كان يهمها هو مقابلة صديقتها لـ «تفضفض» لها وتشكي لها طليقها.

كانت السيدة دونغيو ـ ونحن نتخيل سيناريو القصة ـ أمام صديقتها، التي لم تصرح باسمها، وأمامها كوب زجاجي وبجانبه بيرة الزنجبيل في الجانب الأيسر من الطاولة، والمناديل البيضاء في الجانب الأيمن. أثناء حديثها عن معاناتها الزوجية التي أدت إلى طلاقها وعيناها مغروقتان بالدموع، سكبت صديقتها البيرة في الكوب الفارغ دون أن تملأه. فشربت دونغيو من الكوب دون أن تدرك الطعم ودون أن تنظر إلى ما في داخله، لأن الدموع حجبت الرؤية ومرارة المعاناة قد أخفت الطعم. وعندما فرغ الكوب للمرة الأولى سكبت صديقتها ما تبقى من قارورة البيرة. لكن، المفاجأة، أنه عندما أفرغت كل ما في القارورة، سقطت منها بقايا حلزون متحلل في البيرة. فقطع هذا المنظر «المقزز» حديث «الفضفضة» التي جاءت دونغيو من أجله، مما أدخلها في حالة صدمة. لم تكن الصدمة من المنظر قطع الحديث وحده، بل شعرت بألم في معدتها؛ ما جعلها تتوجه إلى أقرب مستشفى، فانتقلت شكواها من «إهمال» طليقها لها، إلى دعوى قضائية ضد «إهمال» الشركة المصنعة لبيرة الزنجبيل.

في بداية الأمر، كانت المحكمة المدنية بإسكتلندا قد رفضت دعوى المدعية؛ بسبب المبدأ الذي دفعت به الشركة المصنعة وهو: أن المصنعين لا يدينون بـ«واجب عناية» لأي شخص ليس لديهم علاقة تعاقدية معه.

فكانت التساؤلات التي أثيرت أثناء المرافعات القضائية هي: هل كانت الشركة المصنعة على علم بالعيب، وهل تم إخفاؤه عن طريق الاحتيال؟ هل يمكن تصنيف المنتج على أنه خطير في حد ذاته، وهل فشلت الشركة المصنعة في تحذير المستهلك من ذلك؟ هل يمكن تطبيق دعوى الإهمال في ضوء حقيقة عدم وجود عقد بين المدعي والشركة المصنعة؟

رغم هذه التساؤلات حكم مجلس اللوردات البريطاني (حتى عام 2009 كان سلطة قضائية تنظر في قضايا الاستئناف) ـ الحكم الذي سبب له اللورد أتيكن ـ بأن الشركة تدين بـ«واجب العناية» للسيدة دونغيو، لأنه كان من المتوقع بشكل معقول أن يؤدي فشل الشركة المصنعة في ضمان سلامة المنتج إلى إلحاق الضرر بالمستهلكين.

لذلك نجد أن هذه القضية قد أسست لقانون الإهمال والتعويض عنه في القوانين الغربية. وقد نجد مقابل هذا القانون في أحد نصوص نظام مزاولة المهن الصحية في المادة 26 والتي تنص على أن على الممارس الصحي أن يلتزم «ببذل عناية يقظة»، وكذلك ما جاء في المادة 27، التي توضح حالات الأخطاء المهنية للممارس الصحي المترتب عليها التعويض، كـ «نقص المتابعة»، و «التقصير في الرقابة والإشراف».