أزمة الطاقة العالمية مثل فقاعة صابون تزداد كل يوم وكلما كبرت كلما أوشكت على الانفجار. لا أشك إطلاقا أن الضغط الرهيب الذي تعاني منه أوروبا اليوم جاء نتيجة قراءات سياسية واقتصادية خاطئة. ليس هذا كلامي بل حديث القادة الألمان الذين ذكروا أن قراءاتهم كانت خاطئة للتعامل مع مصدر وحيد للطاقة طيلة العقود السابقة.

المشكلة التي قد يغفل عنها المواطن الأوروبي البسيط هي أن أوروبا الآن ستكرر شراء الغاز من مصدر وحيد أيضًا وهو الولايات المتحدة الأمريكية لتوريد الغاز الطبيعي المسال.

ولا شك أن الأمريكيين لن يفوّتوا هذه الفرصة لتحقيق أكبر عوائد اقتصادية من خلال رفع السعر لأسباب كثيرة منها تأزم مشكلات النقل البحري.

الحقيقة أن أوروبا تشعر بالإحباط وإيمانويل ماكرون انتقد بشدة الاستغلال الأمريكي للحاجة الأوروبية. في حين أوروبا وأمريكا منحا اليونان استثناءً لاستيراد وشراء النفط والغاز الروسي في تضارب صريح لأهداف العقوبات الأساسية.

وعلى الرغم من أن النرويج بديل جيّد لكنه غير كاف لتغطية الحاجة، فالأوروبيون بدأوا بالفعل بالتظاهر طيلة الأسبوع الماضي احتجاجًا على ارتفاع أسعار الكهرباء والخدمات والحاجة الماسة لتأمين بدائل التدفئة خلال فصل الشتاء القارس.

بريطانيا التي نجحت في الخروج من الاتحاد الأوروبي قبل الأزمة العالمية، تدرك أهمية تأمين نفسها واقتصادها من مصادر الطاقة فقامت طيلة الأشهر الماضية بتخزين الغاز وتوريده وهو ما يمنح اقتصادها بعضًا من الأريحية على الأقل حتى منتصف العام 2023 في حين اتفقت مع الشركة الفرنسية للطاقة لبناء مفاعل جديد في سفولك ضمن منشأة سايزويل النووية. صحيح أنه لن يعمل قبل 2030، لكن على الأقل سيعتبر إضافة مهمة في مسار تأمين الطاقة.

أما ألمانيا فقد لجأت إلى الفحم الحجري وامتنعت دول وسط أوروبا عن التخلي عن النفط والغاز الروسي، وتسعى إيطاليا لتأمين طاقتها من شمال إفريقيا، نجد أن فرنسا لا تجد لها بدلا من تبنّي الطاقة النووية كبديل عن الهيدروكربونات.

لذلك يقف الرئيس الفرنسي ليعبر عن إحباطه من التخلي الأمريكي عن أوروبا في هذه الأزمة، فأمريكا الحليف المفترض لم تدعم أوكرانيا فعليًا للانتصار ولم تدعم أوروبا اقتصاديًا. كما أنها لم تتدخّل سياسيًا لوقف الحرب بالطرق الدبلوماسية.

ليس أقل من هذا، ففرنسا هي التي تتزعم اتفاقية المناخ (اتفاقية باريس 2015) وتريد الإبقاء على أهميتها بدعم من الرئيس الأمريكي بايدن الذي أكد التزامه وبلاده للعمل بها، تشاهد بأم عينيها كيف أن العالم ضرب بها عرض الحائط في ظل هذه الأزمة.

إن اتفاقية المناخ لها أهمية كبيرة لأوروبا التي كانت ترى فيها مخرجًا أخيرًا للاقتصاد الأوروبي عن الارتهان لروسيا.

لقد أهملت أوروبا نفسها كثيرًا وتمنّت على أمريكا أن تقف معها في هكذا أزمات، كيف لا وأمريكا نفسها هي امتداد نفسي وعاطفي لأوروبا.

لكن أمريكا لم تعد هي أمريكا ابراهام لينكون وتوماس جيفرسون بل أصبحت أمريكا نادية طاليب وإلهان عمر وباراك أوباما والمهاجرون من «دول العالم الثالث» وفقًا للتصنيف الأوروبي نفسه.

هنا يقف إيمانويل ماكرون اليوم ممثلاً عن العالم الأوروبي المتحضّر الذي يهمّه أن يحوّل الطاقة إلى مصادرها المتجددة.

لكن الشمس لا تشرق على أوروبا دائمًا ولا حتى اليورانيوم يتوفر في أوروبا.

تستورد أوروبا يورانيومها من روسيا كما هو الحال من غازها ونفطها. لقد تحرّى فلاديمير بوتين هذه اللحظة منذ عقود ليضع لروسيا مكانة مرموقة كدولة عظمى ذات قطبية في الوقت الذي كانت أوروبا مشغولة فيه بتدمير الشرق الأوسط وتهجير يهود أوروبا إلى دولة فلسطين ومأسسة إسرائيل وتدمير العراق ونشر فوضى الربيع العربي في دول الشرق الأوسط، رغبة في تأمين مصادر الطاقة والقضاء على الإسلام (الراديكالي) كما تسميه.

لقد هاجر الإسلام إلى أوروبا وأمريكا، ولم تنجح أوروبا إلا في خسارة طاقتها وأسلحتها، ولم تتعامل بحكمة لتبادل مصالحها بشكل حضاري مع الشرق والشرق الأوسط الإسلامي.

لا أعتقد أن ماكرون يملك الحلول فألمانيا تعارض بشدة توحيد الصف الأوروبي لتأمين مصادر الطاقة، وأصبحت أوروبا بعد أكثر من 6000 عقوبة على روسيا في أزمة حقيقة.

فالنفط الروسي أصبح يباع إلى أوروبا عن طريق طرف ثالث، والغاز الروسي كذلك. ولهذا ذكر وزير الصناعة التشيكي الأسبوع الماضي أنه إن لم تجد أوروبا حلاً فسينتهي الأمر بالناس في الشوارع، يعني متظاهرين.

والمؤسف أنهم قد ينامون في الشوارع أيضًا ليس بسبب حبهم الشتاء، ولكن لتوقف الاقتصادات عن دفع الرواتب أيضًا.

كان الله في عون الإنسان الأوروبي البسيط، فأوروبا أسدٌ جريح، إن أنقذته أكلك وإن تركته يموت أوجعك.