في مجتمعنا يكون هناك عقد قران بين شاب وشابة، ثم انتظار لفترة تطول أو تقصر لإكمال دراسة أو تجهيز بيت الزوجية أو غيره، هذه الفترة غالباً هي فترة حب، كلها رومانسية وشاعرية وهيام، فترة مليئة بالأحلام الوردية، لكن الأغلب من الشباب والشابات لا يستغلون هذه الفترة لفهم بعضهم البعض، والفهم المقصود هنا هو فهم شخصية الشريك الذي سوف يتم الارتباط به، لتكوين أسرة لها أهدافها ووظائفها، ما هو نمط الشخصية الذي يتسم به هذا الشريك؟ هل هو نمط عصبي، متقلب مزاج، انبساطي، صاحب نمط متفاني ودقيق في عمله وفي شؤون حياته، أم أنه من النوع المتعاطف الذي يحترق من أجل الآخرين؟

ما هي آمال واتجاهات وطموحات الآخر بكل صراحة ووضوح ماذا يحب وماذا يكره؟ ما لذي يشعره بالسعادة وما الذي يضايقه؟

هذا هو المطلوب فهمه قبل السكن في عش الزوجية، من حق كل منهما أن يعرف الآخر، وخلاصة القول اَفْهِمنِي من تكون، وعلي أن أفهم من تكون أنت أيضاً، وبالتالي أتواصل معك بنجاح وفعالية، ثم انطلق أنا وأنت لحياة أسرية مبنية على توافق زواجي فعال.

مع الأسف الشديد يقع الكثير منهم في خطأ مشترك، فكل طرف يصور نفسه للآخر بطريقة تتجاوز حدود المبالغة، رغبة منه في تعزيز ثقته بنفسه عند الآخر، فتبدأ لغة الأنا في الظهور بقوة، من خلال شخصية مصطنعة مغلفة بتزييف كبير للواقع.

ثم بعد الزواج والعيش الحقيقي تحت سقف الزوجية تصيب الإثنين خيبة الألم، فكل منهما لم يجد الآخر كما هو في صورته الذهنية التي قد رسمت من خلال ما قيل في فترة التعارف، ببساطة شديدة لم يكشف كل منهما للآخر ما يأمله وما يخفيه. لقد تركا الأهم في هذا التواصل وهو المصارحة والوضوح، وركزا على تلميع الذات بصورة ليست حقيقية.

الصواب كن واضحاً، وكوني واضحة، كن نفسك وكوني نفسك، كونوا كما أنتم ولا تتصنعوا شخصيات مزيفة سرعان ما يتم كشفها بعد الزواج مباشرة، الوضوح منذ البداية بين الشريكين، كفيل بتأسيس تفاهم وتوافق زواجي جيد لبدء حياة أسرية تؤدي وظائفها بكل اقتدار وكفاءة.

مسألة الغموض بين الزوجين في الفترة التي تسبق الزواج، ورسم صورة شخصية وهمية، ناتجان عن مخاوف كل منهما من أن الطرف الثاني لن يحبه إذا تحدث عن مخاوفه وآماله وتوقعاته أمام الشريك وقت التعارف.

هذه المخاوف من الوضوح، ناتجة عن تقدير ذات متدنٍ، ومن المعروف أن صاحب التقدير الذاتي المتدني يعاني من القلق، بل يعتمد كثيراً في تقديره لذاته على الآخرين، وعلى نظرته لنفسه.

ليس عيباً أن توضح لشريك حياتك منذ البداية ما تأمله منه وما لا تأمله، ولا يظن الشريك أن الآخر قادر بدون تبيين من الآخر على استنتاج ما يدور داخل مشاعرهما، فنحن بشر وقدراتنا محدودة.

أعتقد أن إدراج مواضيع تتعلق بالحياة الأسرية والزواجية في مناهجنا التعليمية، تناقش بالتحديد مثل هذه الموضوعات، سيؤتي ثماره الإيجابية، وسيعمل على نشر الوعي بين أبنائنا وبناتنا، كما أن دور الإعلام بات أمراً ضرورياً في هذا الجانب، من خلال نشر الوعي في جوانب الأسرة والحياة الزواجية، ولو كان هناك محاكاة لبرنامج الثمانينات الصحي الشهير (سلامتك) يعنى بنقاش السلامة الأسرية لكان ذلك مفيداً.