ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بخبر ارتباط إحدى الشخصيات المشهورة بمن يطلق على نفسه صفة المعالج الروحاني، ومن المعلوم أنه لا وجود لهذا العمل في مصطلحات الطب النفسي، ولا توجد صفة أو تفسير لمن يقوم بمثل هذه الأعمال الخارقة للطبيعة إلا صفة (الدجال). والدجل في اللغة هو المبالغة في الكذب والتمويه وتلبيس الحق بالباطل والخداع، واكتب ما شئت من المرادفات التي تقع تحت هذا المعنى المقزز للنفس.

والسؤال هنا كيف يمكن لإنسان متعلِّم حباه الله العقل، ومنحه القدرة على التفكير، والتفريق بين العلاج والتدليس على الناس، وصدَّق أن هناك من يملك القدرة على الشفاء من الأمراض المستعصية بلمسة منه، أو أسورة يضعها في يد المريض.

والإجابة هي وبكل وضوح حالة الخواء النفسي، واليأس المتسلل إلى الذات، وعدم الثقة بالأدوية التي يصفها الأطباء، أو الضجر من العلاج السلوكي المعتمد في الطب النفسي، وبالتالي يهرع هؤلاء إلى من يدعي الحديث مع الملائكة، وقدراته الخارقة على وصف خليط من الأحجار أو الألوان، والنفث على النار، ووصف بعض الأدوات التي تشفي من الأمراض وتمنع من التأثر بالسحر أو العين، بل ومن العجيب أيضاً أن وصل الحال ببعضهم بأن لديه القدرة على منع الإصابة بفيروس كورونا، ويبيع أسورة خارقة لهذا الغرض.

ومن المضحك والمبكي في الوقت نفسه، هو الارتباط العاطفي بين المرضى وهؤلاء الدجالين وتصديقهم لدرجة انعدام العقل تمامًا، والسيطرة الكاملة على تفكيرهم وتنفيذ أوامرهم مهما كانت العواقب، وهذا الأمر الخطير قد وقع في حادثة ليست الأولى، ولكنها الأشهر في التاريخ الحديث، وهي حادثة الانتحار الجماعي والتي راح ضحيتها (913) شخصًا تناولوا السم بأوامر من شخص يُدعى (جيم جونز) في عام (1978) في جمهورية غيانا بأمريكا الجنوبية، و(جيم جونز) دجال يدعي امتلاكه قدرات خارقة وصاحب شخصية كاريزمية ومصاب بجنون العظمة.

وبتحليل دقيق لأسباب الارتباط العاطفي بالدجالين، نجد أنها تتمحور حول الرغبة الجارفة لدى الكثيرين بالخروج من الواقع، والعيش في علاقة تتسم بما يشبه السير في الفضاء، والتحرر من القيود، والغوص في عوالم بعيدة عن الحقيقة، بسبب صدمات عاطفية تجعل هؤلاء يسيرون في حياتهم بلا هدف، ولم تعد لديهم القدرة على مواجهة المشكلات بعقلانية، ويأسهم من التجارب التي دمرت الوجدان لديهم، وبالتالي يحصل الانكفاء على الذات، ويكون المهرب الوحيد في نظرهم هو العيش في هالة من الفنتازيا والخيالات التي تبرر وجودهم، وتدفعهم للاستمرار في الحياة بطريقة مختلفة.

ويستغل الشخص الدجال هذه الحالة من الضعف والاهتراء النفسي ليرمي شباكه على ذلك الإنسان المحطم ويأسره عبر ادعاءاته وقدراته على انتشاله من حالة الضياع، وقد ينجح ذلك الدجال في تحقيق ذلك.

وهنا لا بد من التحصين الفكري للشخص، والعمل على تمكينه من استخدام مهارات التفكير الناقد، والحكم على الأشخاص أو المواقف وفق معايير عقلانية، وتدريبه من سن مبكرة على هذه المهارات، ليتمكنوا في المستقبل من التفريق بين الحبيب الصادق والحبيب الدجال.