عندما خلقنا الله شعوبًا وقبائل لنتعارف، خلقنا مختلفين لنتبادل الخبرات ونعمر الأرض ونتشارك في تنمية المجتمعات الإنسانية، بغض النظر عما يراه البعض حقًا وما يراه البعض الآخر باطلًا.. فكل رأي أو فكر هو صواب يحتمل الخطأ، والعكس صحيح، والأهم والمهم ألا تهدد اختلافاتنا أمن المجتمعات، ولا تخدش شفافية السلام والاحترام الذي يجب أن يسود المجتمعات الإنسانية.

في مجتمعنا السعودي ما زال البعض يعيش صدمة التغير والتحولات الوطنية والمجتمعية، لذلك يرفض كل ما يتعلق بمستحدثات التحولات الاجتماعية والانفتاح المصاحب لها، متمسكًا بفكرة المدينة الفاضلة التي لا يخطئ ساكنوها وكأننا خلقنا من نور الملائكة الذي يجب ألا يُدنس بأخطاء البشر!

من هذا المبدأ نجد أن فكر الوصاية ما زال حاضرًا بقوة عند كثيرين.. وللأسف اتخذ هؤلاء من منصات الإعلام الجديد منابر لهم، يهاجمون وكأنهم أوصياء الله على خلقه، يتهمون.. يقذفون.. ويخرجون فلانًا من الملة.. ويصنفون المختلف بتصنيفات تقع ضمن دائرة المحظور قانونًا كعلماني وغيرها.

وفي المقابل نرى الطرف الآخر الذي يستوعب أهمية هذا التغيير، لكنه يقابل تزمت الفكر الرافض بردود فعل وهجوم يوازيه شراسة، لتتحول وسائل التواصل إلى ساحات حرب فكرية، والنتيجة سلبية للطرفين، دون إحراز نتائج تعود بالفائدة على الصعيد الأهم والذي يصب في مصلحة وطن وشعب!

ما يجب أن ندركه ونعرفه بشكل واضح أن ما نعيشه في وطننا هو تحولات طبيعية وصحية للمجتمعات، هي تغيرات حادثة بشكل فطري جبل الله عليها البشر بمجتمعاتهم، شئنا أم أبينا، والفرق هنا في تجاوب الدولة واحتوائها لهذا التغييرات الطبيعية، وفي كيفية استيعابها واحتوائها بمرونة لا تخرج عن دائرة العقيدة والقيم والهوية والثقافة المجتمعية، مع تحديثات تجعلنا على قيد التميز والحضور والقوة العالمية.

ما يجب علينا أن نستوعبه كمواطنين لهذه الدولة العظيمة، أننا شعب واحد ننتمي لدولة قوية، بفضل ومنة من الله ثم حرص قيادتنا التي كفلت لنا أمانًا واستقرارًا في ظل الخوف العالمي والحروب والكوارث التي نسمع عنها كل يوم. لا بد أن ندرك أنه يجب علينا المحافظة على هذا الأمن والاستقرار والحياة الخالية من الخوف والتشرد، وأننا كشعب علينا تحمل مسؤوليتا بجانب الدولة التي تعمل الكثير لكي لا يصيبنا ما أصاب غيرنا من اهتزاز، فنأمن بقدرة الله ثم حكمة قيادتنا من الجوع والخوف.. والذي سيتعزز من خلال الاحترام رغم الاختلافات الفكرية.. الاحترام له أوجه كثيرة؛ أولها احترام الدولة والثقة بجهاتها ومؤسساتها، وقوانينها ودستورها المستمد من الشرع..

كذلك احترام اختلاف الثقافات ومطاطية الحريات المتباينة بين المناطق بأهلها، بل بين الأسر وبعضها. وما دامت الحرية مهما كانت درجة اتساعها لا تخرج عن دائرة الأساس الشرعي، ثم سقف الحرية القانونية، فلا يحق لأحد فرض وصايته على أحد، ولا إجباره على مساحة حرية يرى من وجهة نظره أنها الأصح، ولا اتهامه بالفسق أو الفجور أو نعته بالعلمانية أو النسوية أو غيرها.

ولا ننسى احترام أدبيات النقاش عند اختلاف الفكر والرأي، فنحن شعب واحد احترامنا لبعضنا رغم اختلافنا سيوصلنا لنقاط تلاقٍ تصب في مصلحتنا جميعًا كأفراد وجماعات ومجتمع أكبر.. أما تشنجنا ومحاولة انتصار كل أصحاب فكر لفكرهم، فلن نجني منها الدوران حول حلقة لا نصل معها إلى شيء.. بل قد يكون ذلك سببًا في قطع خيوط التقاء كثيرة قد تجعلنا من أفضل الأمم.

أخيرًا.. كلمة حق يجب أن نقولها بحق منصات العالم الرقمي، فعلى الرغم من كل انتقاداتنا لمحتوى منصات التواصل الاجتماعي الغث، إلا أن لها فائدة الوعاء الذي ينضح بفكر مستخدميه كي نعرف أنماط التفكير المجتمعي وإلى أين يجب أن نتجه في تعزيز الفكر الإيجابي، وكيف نعالج سلبية أنماط فكرية تعيش بيننا في مجتمع كبير يضم ثقافات مختلفة وأنماطا فكرية متباينة، قبل أن تكبر لتشكل خطرًا يهدد أمن الفكر المجتمعي وتبعياته.

مما يساعدنا على الوصول إلى البر بوطننا ولأنفسنا، مبتعدين عن العقوق الذي قد يسمم البيئة المجتمعية التي نعيش فيها، وبالتالي ستتكاثر الأمراض الفكرية والتعصب، والذي سيفرز مشاكل خطيرة نسأل الله أن يبعدنا عنها.

بر الأوطان وشعوبها عبادة تنشر السلام وتساعد على تحقيق الأمن والنماء والرخاء.. نسأل الله أن يبلغنا إياها ويبعدنا عن عقوقها.. لأننا ببساطة نعيش بوطن عظيم يسكنه شعب يستحق كل الخير.